أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

من عقدنا النفسية

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مما يلحظه المتابع للشأن العربي أننا نعاني من (عقدة الواحد)، فنحن نريد قائدا مميزا ينشلنا من دركات الحضارة، ليصعد بنا في درجاتها إلى القمة، ونريد اللاعب الذي يحقق النصر للفريق، والقائد الذي ينتصر في الحروب، ورئيس وزراء يحقق الرفاه الاقتصادي، ونريد المعلم الموسوعة الذي يجيب عن كل سؤال...الخ.

عقدة الواحد أو من الجائز أن نسميها عقد المخلص، حيث نحتاج دائما إلى شخص واحد مخلص تقضى به الحوائج، وتنال به الرغائب. ولا أعلم من أين جاءتنا هذه الفكرة، وكيف رسخت في عقولنا، حتى صارت هوسا ومرضا؛ فنحن دائما ننتظر المخلص الأوحد، ونعيش على أمل اللقاء به، والحظوة بحضور عصره، والتنعم بالرفاه الذي يحققه، نحلم بذلك، فترانا ننام حتى نرى تلك الأحلام الوردية الجميلة، وبطبيعة الحال من نام لا يعمل، فنحن لا نعمل لأننا ننتظر ونحلم، حتى صار الانتظار هو المهمة المقدسة للجميع؛ وكما كان يقول أجدادنا:(انتظار الفرج عبادة) وكم مارسنا ونمارس هذه العبادة باحتراف شديد.

إننا نقوم بهذا السلوك بشكل يومي ومستمر، ففي إطار حديثنا عن الماضي، نتكلم مثلا عن صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى، وعن بطولاته، وكأنه كان يحارب الفرنجة وحده، وكأنه دخل بيت المقدس فاتحا وحده لا ثاني له.

وكذلك عند حديثنا عن محمد الفاتح رحمه الله تعالى الذي فتح القسطنطينية، وكأنه قام بعملية الفتح وحده، مع أن الثناء من النبي صلى الله عليه وسلم جاء لقائد الجيش وللجيش الفاتح (لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش). لكن من شدة غفلتنا عن المجموع في كل من المثالين السابقين؛ فإن كثرا منا، لا يعرف أسماء قادة تحرير القدس الذين صاحبوا صلاح الدين، ولا قادة الفتح الذي صاحبوا محمد الفاتح.

ومثله يقال في فريق كرة القدم، فمحمد صلاح هو الفريق المصري، ورونالدو يُختزل فيه فريق البرتغال، وميسي وحده يعني المنتخب الأرجنتيني، وكأنّ كلّ واحد منهم يلعب وحده بغض الطرف عن عشرة لاعبين يتفانون في اللعب معهم.

إنه خلل مخيف في ثقافتنا أن تكون كل الأشياء تعتمد على شخص واحد جاء أو ننتظر مجيئه، وأن تنسب الأشياء له وحده غافلين عمن حوله، مما عزّز ثقافة أخرى أكثر بشاعة من الأولى، وهي ثقافة الاستبداد والتفرد، حيث صار كل واحد يظنّ نفسه المخلص والمنتظر، هو وحده لا أحد سواه، فانتقل من البشرية لحيّز الألوهية، فهو المستبد الآمر الناهي الذي لا يعصى أمره، ولا يعترض على رأيه، لا يُسأل عما يفعل، والاعتراض عليه كفر بالإصلاح، ومخالفته فجور، ومعارضته ردة عن النهج الصحيح. فنحن من خلال ثقافة الواح أو المخلً قد أوجنا ثقافة الاستبداد بأنفسنا والتي تزيد من مشاكلنا ولا تحلها.

إذن ما الحل؟ الحل في أن نعزز ثقافة العمل الجماعي، والروح الجماعية كي تكون هي الثقافة السائدة، لتحل محل ثقافة الواحد، ولا بدّ لنا من مباشرة العمل في حل قضايانا ومشاكلنا دون انتظار لأحد غائب، كما علينا أن نزيد من جرعة الثقة بالنفس إذا عملنا كفريق واحد متناسق، وأننا بعملنا الجماعي سننجز أكثر مما ينجزه الفرد الواحد، وأن نعمل على تقدير الجميع والمجموع، لا قائد المجموعة أو المدير أو الرئيس؛ لأن الكلّ عمل، فالكل يستحق المكافأة والثناء.

لا أقلل من قيمة القائد وأهمية دوره في أي عمل، وأعلم أن للقيادة الموهوبة والناجحة دورًا بالغ الأهمية، ولكنْ أن نحصر الدور فيها وحدها فهذا ما لا ينبغي.

الدستور

مدار الساعة ـ