مع دخول حرب غزة شهرها الثالث, ومع إصطفاف الغرب بكافة إمكانياته السياسية والدبلوماسية والإعلامية والقانونية والعسكرية والإقتصادية بجانب إسرائيل في حربها الهمجية التي تشنها على غزة, لم تستطع أن تحقق أهدافها من جلب الأمن الذي وعدت به الإسرائيليين وإعادة الأسرى, والقضاء على المقاومة الفلسطينية.
إن سيناريو الحرب على غزة الذي قسمته إسرائيل إلى ثلاث مراحل وآخرها مرحلة الإنتقال من شمال غزة إلى جنوبها لمحاولة إقناع الإسرائيليين في الداخل والعالم الغربي في الخارج بأن لديها خطة عسكرية تسير في الإتجاه الصحيح لتحقيق أهدافها, لكن الواقع يشير أنها لم تحقق عسكرياً أي هدف من الأهداف في أي مرحلة من هذه المراحل . وهذا أدى إلى الضغط على حلفاء إسرائيل الغربيين ومن ضمنهم الولايات المتحدة لأن الأهداف التي تحققت إلى الآن هي إستشهاد وجرح وفقدان أكثر من 60 ألف فلسطيني , يشكل النساء والأطفال منهم 45 ألفاً, وهذا عار على العالم بكافة مكوناته السياسية والدبلوماسية والإعلامية والعسكرية والقانونية في أي دولة كانت , حيث لم نشهد في التاريخ المُعاصِر حالة شابهت ما تعرض له الفلسطينيين من إبادة وقتل وحصار شامل ومحاولة التهجير بحجة الدفاع عن النفس .
ما نراه من صمت إقليمي بشكل خاص ودولي بشكل عام ما هو إلا إرتباط مصالح معظم تلك الدول بالولايات المتحدة بشكل خاص ومع الغرب بشكل عام , كون نظرية القطب الواحد لا تزال مسيطرة على العالم , والولادة العسيرة للقطب الآخر لا تزال تنتظر, كل ذلك حرم الفلسطينيين من أبسط حقوقهم في العيش بسلام وأمان .
لقد عرّت حرب غزة الإقتصاد العالمي وكشفت هشاشته والخطط الإقتصادية التي بناها الغرب للقفز عن القضية الفلسطينية, إضافة إلى خلخلة كراسي الحكام الغربيين أمام شعوبهم ومن يريدون أن يجلسوا عليها من أحزابهم في المرة القادمة دون إستثناء, ووهن المواثيق الدولية والأممية والهيئات التي تسابقت في السابق للدفاع عن كرامة الإنسان وحريته وحقوقه, بينما إستباح العالم الغربي دم الشعب الفلسطيني بقتل أطفالهم ونسائهم وشيوخهم وتدمير مساجدهم وكنائسهم ومدارسهم ومستشفياتهم.
وبعد ذلك تخرُج الولايات المتحدة لتُنقذ الموقف العالمي وتقول لإسرائيل إستمروا بحربكم على غزة لنهاية العام, ثم أوقفوها بعد ذلك على أولئك الذين ذنبهم أنهم يطالبون بحقوقهم المسلوبة وإسترجاع أراضيهم المنهوبة, لتصبح حصيلة تلك الحرب عليهم قرابة 100000 من الفلسطينيين بين من إستُشهد وجُرِح وفُقِد .
ليس ذلك فحسب لا يزال الغرب ينظر إلى تلك الحرب الهمجية على غزة بتجاهل المُسبب الرئيسي لها والنظر بإتجاه واحد , إتجاه تأمين أمن الحليفة إسرائيل بعد حرب غزة , ويتداول السيناريوهات لمن سيقوم بتلك المهمة المعقدة والصعبة بنظرهم, لكنه لا يدرك أن ذلك لن ولم يجلب ويُحقق أي أمن لإسرائيل في المستقبل دون النظر بالإتجاهين , الإتجاه الآخر الذي هو سبب حرب غزة وما سيسببه في المستقبل من حروب إذا تم تجاهله من قبل الغرب, وهو إيجاد الأُفق السياسي لحل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية التي لا زالت تنتظر عقوداً طويلة في ظل وعود كاذبة, سببت الحروب والصراعات الإقليمية والدولية .
الخبير والمحلل الإستراتيجي في السياسة والإقتصاد والتكنولوجيا