لعل من أبرز التحديات التي تواجه الخطة المالية للدولة لسنة 2024 تداعيات الوضع الإقليمي المتأزم في المنطقة، والذي قد يتطور بشكل خطير، وتتوسع حرب الإبادة التي يقودها كيان الاحتلال ضد الأهل في غزة، وتصبح حربًا دولية.
فكل السيناريوهات باتت محتملة في ظل التدهور السريع لكافة الجهود الدولية الرامية لإيجاد حل سلمي للقضية الفلسطينية.
تطورات الوضع الإقليمي، ستلقي بتداعيات عميقة على الاقتصاد الوطني في حال استمرت حرب الإبادة لأشهر أخرى- لا سمح الله-، وستكون لهذه الحرب إفرازات مالية كبيرة على كافة القطاعات بحيث تتولد ضغوطات مالية على الخزينة خاصة والاقتصاد عامةً.
فالقطاعات الاقتصادية الرئيسة، وعلى رأسها السياحة والتجارة والصادرات، حتى النمط الاستهلاكي الداخلي، ستتأثر جميعًا بتداعيات عميقة بحيث تشكل ضغوطًا على المالية العامة للدولة، وتحديدًا في بند الإيرادات الضريبية، التي تعتمد في ثلثيها على تحصيلات ضريبة المبيعات والباقي من ضريبة الدخل.
فالتدفقات المالية خلال الأسابيع الماضية، وتحديدًا بعد السابع من شهر تشرين الأول الماضي، أعطت دلالات مهمة على وجود منحنى باتجاه سلبي في توريد بعض القطاعات التي كانت تورد للخزينة بشكل مستمر ومنتظم وثابت، وقد يتطور المشهد لمزيد من الضغوطات المالية الجديدة في حال طال أمد تلك الحرب.
لا شك بأن الحكومة خصصت ما يقارب 289 مليون دينار لدعم القمح وأسطوانات الغاز وهذا أمر جيد، لكن ما هو الحال إذا ما ارتفعت أسعار القمح والنفط في الأسواق العالمية بشكل كبير؟، وهو أمر محتمل في ظل تطورات الوضع الأمني في المنطقة، هنا سيتحتم على الخزينة توفير مخصصات إضافية لدعم تلك المواد الإستراتيجية، وهو ما يعني مزيدًا من العجز.
أيضًا، النفقات الرأسمالية التي سجلت أعلى مستوياتها على الإطلاق بقيمة تزيد على 1.729 مليار دينار، تواجه هي الأخرى تحديات كبيرة في تنفيذها، وتحديدًا من قبل كادر القطاع العام الحالي، فالممارسات السابقة تؤكد عدم القدرة المالية على تنفيذ تلك المشاريع لأسباب مختلفة، وسيكون لهذه الزاوية تحليل مفصل عن طبيعة المشاريع الرأسمالية وأثرها في الاقتصاد الوطني.
وجود حجم كبير من خدمة الدين العام، الذي يبلغ 1.98 مليار دينار في عام 2024، هو التحدي بحد ذاته، لأنه كبير بالأرقام المطلقة والنسبية معًا. وتوفير تلك المخصصات سيكون حتمًا على حساب مخصصات التنمية بالأساس.
كل التحديات السابقة قابلة للتغلب عليها، وحتى لا نكون متشائمين، فالواجب هو بعث رسالة تحذيرية للجهات المعنية لمزيد من التحوط خلال المرحلة المقبلة التي تسودها أجواء غير واضحة في الأفق. لذلك، فإن التحوط وشدّ الأحزمة بشكل مسبق هو إجراء يكفل أعلى درجات الاستقرار والحماية الاقتصادية من تداعيات كابوس اقتصادي محتمل في ظل سيناريوهات الحرب المخيفة.