أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

بطَّاح يكتب: نتنياهو إذْ يقف في وجه المنطق والتاريخ


د. أحمد بطّاح

بطَّاح يكتب: نتنياهو إذْ يقف في وجه المنطق والتاريخ

مدار الساعة ـ
منذُ السابع من أكتوبر ورئيس الوزراء الإسرائيلي يلبس السواد، ويُصرّح بين الفينةِ والأخرى إنه ماضٍ في سبيل تحقيق الانتصار وإنجاز هدفين أساسيين هما: القضاء على "حماس"، وتحرير ما يسميهم "الرهائن"، وإذا دققنا النظر في المسيرة السياسية لنتنياهو الذي حكّم أكثر من أيّ رئيس وزراء إسرائيلي آخر (بما في ذلك بن غوريون مؤسس الدولة وأول رئيس وزراء لها)، وإذا أمعنّا النظر في الائتلاف اليميني الذي يقوده الآن ويشكل الحكومة الحالية فإننا نلاحظ أنه في الواقع يسعى إلى تحقيق هدف استراتيجي آخر غير الهدفين المعلنين المُشار إليهما آنفاً وهو: القضاء نهائياً على فكرة إنشاء دولة فلسطينية بل وضم الضفة الغربية (أو معظمها على الأقل) والسيطرة الأمنية على قطاع غزة لكي لا ينطلق منه أيّ خطر على إسرائيل!
ولكن هل هذه الأهداف القريبة والبعيدة لنتنياهو ممكنة التحقيق فعلاً؟ إنّ الإجابة هي بالنفي وبالرغم الحرب الهمجية التي يقودها الآن ضد الشعب الفلسطيني في غزة متجاوزاً كل ما يُعرف بالقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وقانون الحرب، واتفاقيات جنيف الرابعة بل وكل ما تعارفت عليه البشرية حتى في أحلك عصورها من عدم جواز مهاجمة المدارس والمستشفيات وأماكن إيواء النازحين، بل لعلّنا لا نبالغ إذا قلنا بأنّ هذه الحرب البربرية التي يشنها نتنياهو بمشاركة غربية (وأمريكية بالذات) مباشرة وغير مباشرة هي التي سوف تُسهم في عدم تحقيق أهدافه وبالذات هدفه الاستراتيجي المتمثل في تركيع الشعب الفلسطيني وإلغاء حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته على ترابه الوطني طبقاً للشرعية الدولية (دولة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية).
إنّ الرأي العام العالمي يصحو الآن على دولة مارقة (إسرائيل) تستخدم كل قوتها العسكرية (أسقطت حتى الآن أكثر من 30,000 قذيفة على قطاع لا يزيد مساحته عن 365 كيلو متر وتسببت في قتل أكثر من 17,000 شخص 40% منهم من الأطفال) للانتقام وإخضاع فصيل مقاوم (حماس) وكأنها تُطبق مقولة (لكي اصطاد النمر لا بأس من أن أحرق الغابة!)، ولعلّنا يجب ألا نغفل عن المطالب المتزايدة لمعظم دول العالم بضرورة تطبيق "حل الدولتين".
إنّ نتنياهو قد يقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين ولكنه لن يفلح في اقتلاع حماس لسبب بسيط هو أنها فصيل مقاوم للاحتلال، ذو عقيدة جهادية، متجذر بين صفوف شعبه، وله مشروعية سياسية اكتسبها بفوزه في الانتخابات 2006، كما أنه اكتسبها بإنجازه العسكري الفذ حين استطاع أن يوجّه لطمة للعسكرية الإسرائيلية التي كانت تتباهى بأنها الأقوى والأذكى (استخبارياً) في المنطقة!، واكتسبها كذلك حين استطاع أن يعيد الإحساس بالكرامة وبالثقة بالنفس لدى الشعب الفلسطيني الذي ظلّ يتلقى الضربات والتجاوزات الإسرائيلية منذ ما يزيد عن 75 عاماً!.
أمّا فيما يتعلق بالرهائن أو الأسرى فقد ثبت بالتجربة أن إسرائيل غير قادرة على الوصول إليهم وأنه ليس أمامها -وبخاصة أن في أسراها جنود وضباط (بعضهم برتب عالية ومن أجهزة حساسة "كالشباك" "أمان")- إلّا بالاتفاق مع حماس على صفقة تبادل، ولنتذكر أنّ نتنياهو نفسه هو الذي وافق على صفقة الجندي الإسرائيلي "شاليط" الذي تمت مقايضته بألف من الأسرى الفلسطينيين وعلى رأسهم "يحيى السنوار" الذي يعتبره نتنياهو العقل المدبر لهجوم السابع من أكتوبر على غلاف غزة.
والواقع أن مُعضلة نتنياهو لن تتمثل في فشله بالقضاء على حماس فقط، أو فشله بما يسميه تحرير "الرهائن" بل ستتمثل في فشله المؤكد بتصفية القضية الفلسطينية وإلغاء حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. إنّ نتنياهو يعمل ضد المنطق والتاريخ الذي يقول بأنّ أيّ احتلال سوف يقود إلى مقاومة له بالضرورة حتى وإن طال الزمن فأين الدول والشعوب التي حكمتها بريطانيا ذات الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس (كانت تضم الولايات المتحدة، والهند، ومصر وغيرها). لقد استقلت جميعاً بعد أن قاومت الاحتلال، وكذلك الجزائر التي تحررت بعد حكم فرنسي دام 130 عاماً!.
لقد تعلم نتنياهو في أحد أرقى الجامعات الأمريكية (MIT)، وعمل في الأمم المتحدة حيث احتكّ بالسياسيين من مختلف الدول والثقافات، وشغل الموقع الأول في إسرائيل لمدة تزيد عن 15 سنة ولكنه رغم كل ذلك ظلّ أسير تربيته الأسرية حيث كان والده أكاديمياً مؤمناً بمبادئ "جابوتنسكي" اليمينية المتطرفة، وحزبه الليكود الذي أسسه "مناحيم بيغن" رئيس منظمة "إيتسل" الإرهابية (رفض بن غوريون ضمه إلى أيّ من وزاراته)، وتحالفاته مع زعماء المستوطنين المتطرفين أمثال "بن غفير" رئيس حزب "القوة اليهودية"، "و سموتريتش" رئيس حزب "العقيدة الصهيونية" اللذين لا يؤمنان إلا بما يسميانه نظرية "الحسم"، أيّ تصفية القضية الفلسطينية وتخيّير الفلسطينيين بين: العيش تحت الحكم الإسرائيلي، أو القتل، أو الهجرة.
إنّ نتنياهو يواجه المنطق والتاريخ وهو لا شك مهزوم وبرغم عربدة آلته العسكرية على أشلاء ودماء الأطفال، والشيوخ، والنساء الأبرياء.
مدار الساعة ـ