ما مصير منظومة التحديث السياسي، وهل ستجري الانتخابات البرلمانية في موعدها، نهاية العام القادم، أم لا؟
الإجابة عن هذا السؤال تستدعي، بالضرورة، فهم خريطة الجبهة الداخلية التي كشفتها، أو صنعتها، حالة التعاطي الشعبي مع العدوان على غزة، هذه الخريطة الجديدة، بما تضمنته من تضاريس سياسية واجتماعية، ومن تعبئة واحتشادات، ومحاولات لانبعاث الهويات، أو ترسيمها، ستشكل إفرازاتها البرلمان القادم، وبالتالي يمكن اعتبار حالة الشارع «بمثابة « بروفة لأي مقاربة تذهب باتجاه اعتماد الاستحقاق الانتخابي، أو تأجيله.
يمكن تفكيك هذه الخريطة، بما يسمح به المجال من مصارحات، أولا: لقد ساهم الزخم السياسي والإعلامي، الرسمي والشعبي، بتغييرات جوهرية في وعي الأردنيين واتجاهاتهم، ومزاجهم العام ؛ صحيح أن محرضات ذلك : القضية الفلسطينية، والعدوان على غزة، والعلاقة مع إسرائيل، لكن الصحيح أن مقاربات هذا الثالوث انصبت باتجاه مواقف الدولة وروايتها منذ 30 عاما، ما يعني أن هذه التحولات في الوعي ستعكس نوعية خيارات الأردنيين تجاه حجم المشاركة بالانتخابات، وتجاه اختيار المرشحين، أحزابا أو مستقلين.
ثانيا: كشفت حالة التظاهر في الشارع عن بروز فاعلين في المشهد السياسي، اصبحوا مرشحين للحصول على الحصة الكبرى من حصاد الصناديق الانتخابية، هؤلاء الفاعلون توزعوا على الترتيب بين الإسلاميين (الإخوان)، وبين اليساريين والقوميين بدرجة أقل، فيما حاولت الأحزاب الأخرى الوليدة أن تختبر حضورها في الشارع، لكنها -في الغالب - فشلت في مواجهة المد الديني والأيدولوجي الذي استطاع توظيف الحدث الأكبر، وانتزاع أصوات جمهور المتظاهرين في الشارع، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، أيضا.
ثالثا : اتسمت حالة الشارع، وتبعا لذلك المجتمع، بالانفعال، واحتكمت لردود الأفعال، كما عكست أوزان وحيوية التكتلات الاجتماعية والسياسة، فقد سقطت، مثلا، فرضية كتلة ال 70% المعطلة، وفرضية استقالة اغلبية الأردنيين من المشاركة في العمل العام والانتخابات، لكن اللافت، ايضا، أنها كشفت أن أسباب حركة هذه الكتلة لا تتعلق بأولويات داخلية، اقتصادية أو سياسية، وإنما بقضية أكبر تتعلق بالعدوان على غزة وتداعياته، كما أنها كشفت خطابا جديدا، لا يتعامل مع الدولة وإنجازاتها ومواقفها كما يجب.
رابعا : صحيح، إجراء الانتخابات البرلمانية، على قاعدة مسار التحديث السياسي، يشكل استحقاقا سياسيا يعكس قوة الدولة، و إرادتها في تمكين المجتمع سياسيا، وإصرارها على إعادة ترتيب الداخل الأردني لمواجهة التحولات والأخطار القادمة، كما أنه يتيح المجال للأحزاب الجديدة لممارسة «التمرين» السياسي العملي لإنضاج تجربتها، لكن الصحيح، أيضا، هو أن إجراء الانتخابات في ظل بيئة سياسية واجتماعية معبأة، أو مشغولة بالحرب واطرافها، وما أفرزته من ظروف وحقائق جديدة، يحتاج إلى جردة حسابات ومراجعات، تبدأ باستثمار الاستنفار الشعبي، وترشيد اتجاهاته، وضبط حركة الفاعلين فيه باتجاه مصالح الدولة، لا باتجاه استخدامه لمصالح فردية، أو حزبية خاصة.
خامسا: فيما مضى، كان الصوت الانتخابي يُعبّر عن شبكة من الاعتبارات الاجتماعية أو المصلحية أو الدينية، وكانت الاكثرية تعزف عن التصويت لأسباب عديدة ومفهومة، الآن يبدو أن الصورة ستتغير، الصوت الانتخابي سيتجه إلى هذه المسارات والاعتبارات بأوزان أخرى مختلفة، كما أن جزءا من العازفين سيتحركون، المهم هو أن نضمن بأن تتم هذه التحولات في إطار إنتاج برلمان سياسي جديد، يعكس حالة المجتمع الطبيعية، ويمثل الأردنيين بشكل عادل، ويفرز من المزاج العام المعبأ بالحرب وتداعياتها مزاجا وطنيا معتدلا، يساعدنا في مواجهة المرحلة القادمة، وما تحمله من مستجدات واستحقاقات كبيرة، وربما خطيرة، وإن كانت مازالت مجهولة.
كيف؟ لا أدري، الجواب لدى من يهمهم الأمر.