نتناول أفكارا ومصطلحات عديدة في قراءتنا السياسية كفكرة الحرية -الليبرالية - الفوضى – السياسة - الاخلاق - الفساد والارهاب - السلطة المطلقة - الأبجدية السياسية -الدهماء والرجل الاعمى، وبلا شك ان قادة الفكر السياسي والطبقة المثقفة يستطيعون ان يدلو بدلوهم بكل سهولة ويسر تحليلا وتفسيرا لاي من هذه الافكار ، وما أكتبه لا ينطلق من تصنيفي كواحد من قادة الفكر السياسي ولا من الطبقة المثقفة، لكني -على الاقل -من الذين يقضون وقتا كافيا في القراءة بغرض التحليل وليست القراءة لتمضية الوقت، ايمانا مني بقول شاعرنا الكبير أبو الطيب المتنبي:
أعز مكان في الدنا سرج سابح
وخير جليس في الزمان كتاب
كانت ارادة الله سبحانه وتعالى ان يخلق ابونا ادم من تراب وامر الملائكة ان يسجدوا لسيدنا ادم فسجد الملائكة جميعا الا ابليس -لعنه الله -أبى واستكبر رافضا ان يسجد لمخلوق من طين وهو مخلوق مميز من نار ، فاستحق اللعنة من الله، واسكن الله سبحانه وتعالى سيدنا ادم وأمنا حواء في الجنة وامرهما ألا ياكلا من الثمرة المحرمة الا ان الشيطان (ابليس) اغواهما فارتكبا اثما كبيرا كانت نتيجته خروجهما من الجنة الى الارض ومن هنا بدأت رحلة البشرية فخلق الله البشر وفي خلقهم عبرة وآية فخلق الجسد والروح، وكذلك اوجد فيهم الغريزة وهي شكلان اما غريزة سليمة طيبة نقية واما غريزة سقيمة شريرة ،فمن رزقه الله بالغريزة السليمة فتجده دائما منحازا للحق والعدالة والتسامح والمحبة ، واما من ابتلاه ربه بالغريزة السقيمة فهو نصير الظلم والحقد والتجبر والكراهية وكل بني ادم هو مخير بين ان يكون واحدا من أهل احدى الغريزتين .
واهل السياسة هم بلا شك من بني البشر ، لكن السؤال الان ونحن نعيش في عصر الصراعات والتكنولوجيا والاقمار الصناعية و وسائل المواصلات والمركبات الفضائية (هل هناك تضاد بين السياسة والاخلاق ؟) واقعنا وتاريخنا البشري المعاصر يثبت بأن مدار السياسة غير مدار الاخلاق إطلاقا وانه لا يوجد اي عامل مشترك ولا ادنى رابط بينهما ،مستشهدا بانه لا يوجد حاكم او قائد سياسي خضع في حكمه لمنهج الاخلاق الا وكان مصيره على الاقل السقوط والتداعي . أما السياسي والحاكم الذكي الناجح فيجب أن يوازن بين الأخلاق وأن يتصف بصفات الحكمة والذكاء ،فالأخلاق مثل الصراحة والشفافية والمكاشفة فإنها في عرف السياسة من النقائص إذا ما أراد أن يجنب شعبه ونفسه مغامرات وصراعات غير مدروسة.
تتلخص مشكلة الشعوب العربية وهو ما يطلق عليه عامة الناس (الدهماء) إننا ننجرف بسهولة حول جماعات أو أشخاص يمتلكون قدرات إستثنائية في النقاش والحوار وتزييف الحقائق من خلال المناداة بأفكار الحرية المطلقة والليبرالية وحكم الشعب، والقضاء على الديكتاتورية وسأتطرق بإختصار الى مرحلة الربيع العربي بعد عام 2011 م عندما خرجت الشعوب العربية التي تم تعبئتها داخلياً وخارجياً للمطالبة بإسقاط الأنظمة العربية الديكتاتورية، قأسقطت ديكتاتوراً فخلقت بعده عشرات من الدكتاتوريين، لأن أي فرد في السلطة الجديدة ولد ولديه الرغبة في تحقيق حلمه بأن يصبح ديكتاتوراً، وثبت بالدليل القاطع أن القرار الذي يتخده الدهماء (عامة الناس) هو القرار الأولي بإشاعة الفساد والفوضى والسقوط لأنهم ببساطة لا يمكن أن يخلقوا توازناً بين فهم مهمات وواجبات الدولة ومصالحها ومصالح عامة الناس أنفسهم وبين مفهوم الأخلاق وما زالت نتائج ثورات الربيع العربي ماثلة للعيان، فلا ديمقراطية ولا استقرار ولا حتى حياة آمنة مطمئنة.
ما يميز نظامنا السياسي الأردني أنه من الأنظمة النادرة التي إستطاعت أن توازن بين مدار السياسة ومدار الأخلاق، ففي الوقت الذي تسعى فيه إلى المحافظة على مصالح الدولة السياسية والإقتصادية وعلاقاتها الدولية مع القوى العالمية المؤثرة، إلا أنها لا تتوانى في الدفاع عن حقوق الشعوب المضطهدة، وتحاول أن تقدم وفوق إمكانياتها كل أساليب الدعم والمساندة بوضوح وشفافية وفي ضوء الشمس، وكل شيء مكشوف وليس من تحت الطاولة، فنظامنا بوجه واحد ولا يوجد في حقيبته عدة أقنعة لكل يوم قناع حسب الظروف ، ولكن لا يعني هذا بالضرورة أن يسير خلف رأي (الدهماء) ليثبت صدق نواياه وأعماله، فصاحب الغريزة السليمة يثمن ويقدر هذه المواقف ، أما صاحب الغريزة السقيمة فبلا شك سيبقى حقده الدفين وكرهه المتجذر يرى كل شيء بعيون الحقد والكراهية.
الاردن ليس بحاجة إلى صكوك الغفران، وليس بحاجة إلى من يوجهه إلى أي إتجاه فاتجاهنا واضح وقبلتنا واضحة وتاريخنا، ومنذ تأسيس المملكة الاردنية الهاشمية يشهد بأننا كنا دائما منحازين الى قضايا ومصالح امتنا العربية وكنا في كثير من الأحداث نتحمل فوق طاقتنا وإمكانياتنا ونصبر على ظلم وأذى الاقربين ترفعا وليس ضعفا. ولو طرقنا باب تاريخ مواقف الاردن القومية لأجابنا بالكثير والكثير من المواقف المشرفة النابعة من إرثه الديني النقي وإرثه العربي الاصيل.