من تداعيات حرب الكيان الصهيوني على غزة، بدء شركات أمريكية بإعلان تبرعاتها العينية والنقدية لجيش الكيان ودعم آلة قتل الأبرياء المدنيين، حيث خرجت هذه الشركات عن غاياتها التجارية في تحقيق الربح الذي تسعى اليه كشركات تجارية، إلى المشاركة بجرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي بطريقة غير مباشرة، تماما كمن يؤمن السلاح إلى القاتل ويحرضه او يشجعه على القتل. فجاء رد الشعوب المناهضة للقتل ضد هذه الشركات بالتمسك بما يعرف بالمقاطعة، ليكون بمثابة جزاء معنوي مجتمعي له تبعاته الاقتصادية الهامة لكنه ليس مفروضا من سلطة رسمية تملك فرضه، يهدف لإظهار التضامن والتعاطف نحو قضية انسانية او اخلاقية، ولتصبح المقاطعة ثقافة حرة في مواجهة الوقاحة المتحيزة من جهة الشركات تلك،ولا يجبر عليها احد كما لا يُمنَع من استعمالها أحد.
البحث في أسباب مسلك تلك الشركات، يثير تساؤلات عدة، هل تناست تلك الشركات حجم افرعها في الدول العربية والإسلامية مقابل عدد فروعها المتواضع في الكيان الصهيوني؟! أم هل لأن من يملكها يهود او صهاينة لا يأبهون بأرباح العرب بقدر ما يأبهون بقتلهم؟!.
القصة بدأت من إعلان شركة عالمية في الكيان وفروعها إذ أعلنت جميعها دعم جيش الكيان بالوجبات- اضافة الى شركات أخرى، إذ لا شك أن من يملكها يهود يفتخرون بهذا الدعم ويؤيدونه، ما أشعل شرارة المقاطعة لتطال الشركة الأمريكية الأم صاحبة الأسم التجاري؛ وليلحق الضرر بمعظم فروعها لدى الدول العربية والإسلامية نتيجة امتداد المقاطعة اليها. تماما فعلت شركة أخرى بإعلان دعمها المادي لجيش الكيان الصهيوني والتي يرأس مجلس ادارتها صهيوني مشهود له بالعنصرية، وهي شركة لم تكن مدرجة على قائمة BDS (حركة مقاطعة الكيان المحتل وسحب الاستثمارات منه وهي حركة فلسطينية المنشأ وعالمية الإمتداد) لكن بعد ان رفعت الشركة دعوى قضائية ضد نقابة عمالها بسبب تعليقاتها المؤيدة لفلسطين على وسائل التواصل الإجتماعي، أصبحت مقاطعة «الشركة» رمزا لتسونامي الدعم الجديد للشعب الفلسطيني، واصبح صراع الشركة مع عمالها النقابيين المؤيدين للفلسطينيين رمزا قويا للنضال من أجل العدالة.
الأردنيون سطروا بمقاطعتهم أجمل صور الوقوف في وجه كل من يدعم آلة الحرب، وكانت مقاطعة مؤدبة رسَّخت لدى الأجيال الصغيرة قبل الكبيرة، شعور نصرة المظلوم والمكلوم، حتى التجار الأردنيين خجل الكثير منهم من عرض بضائع تلك الشركات على رفوف متاجرهم، بل من كان عنده بضائع استوردها قبل الحرب كان ينبه الزبائن عنها بأنها أمريكية او فرنسية او إيطالية ويقدم لهم البدائل المحلية لشرائها.
هكذا هم الأردنيون، أصبحت المقاطعة عندهم اساسا اخلاقيا قَتَلَ الجشع والطمع والربح لديهم، وهذا ما عزز المنتج الوطني ودفع شركات اردنية إلى رفع حجم منتجاتها والإبداع في صناعتها والتوسع في الصناعة الأردنية التي كان ينقصها الدعم والرعاية والإبتكار، وبالتالي يرتفع مستوى تطوير هذا القطاع، إضافة إلى ارتفاع في حجم مدخلات الضريبة لصالح الخزينة وتوفير فرص عمل جديدة في هذا القطاع.
الموقف الحكومي الأردني من المقاطعة يدرك بأن المقاطعة خيار وحرية، وفي ذلك انسجام مع الموقف الشعبي، فلم يخرج إلينا مسؤول اردني يدعو إلى وقف المقاطعة او يلوح بالشراء من مطعم أمريكي دعما له، كما هي الحملات المضادة للمقاطعة التي ترعاها بعض الدول العربية رسميا او من خلال مشاهير التواصل الإجتماعي الهزيلين، بل أصبحت تعادي علنا من يقاطع داعمين الكيان، وكأن بالمقاطعة خروجا على الدولة نفسها، وكأن من يقاطع تلك المنتجات يقاطع صلة رحمه، ويقاطع انتماءه لبلده ووطنيته.
بلغت الأمور اوجها في ماليزيا بأن لجأ مُشَغّل عالمي إلى تقديم شكاوى بحق الجهات المساندة للمقاطعة، من خلال اتهامات (بالتحريض على الفتنة)، وهذا ما لا يقبله المنطق والعقل والقانون.
المقاطعة، هي حرية الإختيار بين الشراء من عدمه، فما على التاجر الا ان يعرض منتجه، وما على الزبون الا ان يشتري او لا يشتري، فلا يوجد أي مسوغ قانوني لتعويض تلك الشركات عن أي اضرار لحقت بها جراء المقاطعة، وذلك ثابت في القواعد العامة للعقود وجبر الضرر او التعويض الواردة في القانون.
وما اقترحه، ان يتقدم المُشَغِّل الأردني لتلك المطاعم بموجب عقود الإمتياز (الفرنشايز) بدعوى قضائية لدى المحاكم المختصة على المُشَغّل الإسرائيلي لأنه هو المتسبب فعليا بالضرر اللاحق فعليا بالمُشَغّل الأردني، كما انصح تلك المطاعم بإنهاء عقودها مع الشركات الأم الأمريكية بعد ان ترسخ مفهوم المقاطعة لدى اغلب الناس، وهذا حق مشروع وممارسته مشروعه - وإن لحق بهم الضرر - وأن يستبدلوا تلك الأسماء التجارية الداعمة للكيان بمطاعم وأسماء محلية، كما نجحت التجربة الروسية بإستبدال اسم «شركة عالمية» في 850 فرعاً، بإسم تجاري روسي.
ان انخفاض الطلبيات على السلع المصنعة في الولايات المتحدة بشكل حاد في شهر تشرين الأول 2023، متأثرة بانخفاض حاد في الطلبيات على معدات النقل، بحسب واشنطن بوست، كان أبرز نتائج المقاطعة، مما سيجعل تلك الشركات تعود عن دعمها للكيان وتتوقف عن الإنتهاكات التي ترتكبها بمواجهة الفلسطينيين.