لا شك بأن حرب الإبادة في غزة ستترك آثارا عميقة على الاقتصاد الأردني، خاصة إذا ما استمرت -لا قدر الله- هذه المجازر لفترات طويلة، كما تحدثنا بذلك في أكثر من مناسبة.
القطاع السياحي هو الأكثر والأسرع تأثرا بمجريات حرب الإبادة في غزة، حيث بات واضحاً أن حجم التراجع في الحجوزات السياحية تجاوز نسبته 65 %، ومن المرجح أن يمتد هذا الانخفاض مع مرور الوقت.
القطاع السياحي عاش أفضل موسمه على الإطلاق منذ بداية العام وحتى نهاية الشهر الماضي، أي قبل الأحداث الأخيرة، وقد حقق نموا استثنائيا حسب بيانات البنك المركزي الأخيرة التي أشارت إلى ارتفاع الدخل السياحي خلال العشرة شهور الأولى من عام 2023 بنسبة 34.7 % مقارنة مع الفترة المقابلة من عام 2022، ليسجل ما قيمته 6.4 مليار دولار.
هذا النمو كان نموا ملحوظا في الحجوزات الفندقية، التي وصلت نسبة الإشغال فيها بغالبية الفنادق إلى حدود الـ100 % في كثير من الفترات الماضية.
وكان النشاط السياحي المرافق لهذا القطاع، الذي يستحوذ على 14 % من الناتج المحلي الإجمالي، في ذروته، لدرجة أنه نتيجة هذا النشاط الاقتصادي المتميز، تولدت ضغوطات كبيرة على الفنادق لدرجة بات القرار قريبا من القطاعين العام والخاص لإحداث اختراق استثماري كبير فيه خلال المرحلة المقبلة، ليتناسب مع متطلبات الحاجة الاستثمارية السياحية المستهدفة للمرحلة المقبلة.
لكن للأسف، تلقى القطاع ضربة موجعة بعد أحداث غزة الدامية؛ فالحجوزات الفندقية تراجعت لأكثر من النصف، والنشاط السياحي هبط بشكل كبير، حتى السياحة الداخلية، والضغوطات المالية تزداد على المنشآت السياحية بمختلف أنواعها وأشكالها، وقدرتها التوظيفية تتراجع بشكل كبير.
وإذا ما استمر الحال على ما هو عليه، فمن المرجح أن تبدأ هذه المنشآت بإعادة هيكلة أعمالها وأنشطتها، وقد تكون العمالة لديها أولى خطوات وإجراءات الهيكلة لديها، مما يعني مزيدا من البطالة في هذا القطاع ليُضاف إلى مجموع المتعطلين عن العمل.
هذا القطاع عاش حالة مشابهة بعد عام 2019 مع انتشار وباء كورونا الذي أوقف كافة الأنشطة الاقتصادية في دول العالم نتيجة إجراءات الحظر الشامل وتوقف رحلات الطيران، والكثير من الأنشطة، والأردن كان جزءًا من تلك الحالة، لكن النتائج كانت إيجابية، ونجحت الحكومة في تجنيب الاقتصاد ويلات كورونا بالخروج بأقل الخسائر.
لكن علينا أن نعترف أن الحكومة اتخذت حينها مجموعة من الإجراءات التي ساهمت في الحفاظ على ديمومة غالبية القطاعات المتضررة من كورونا بشكل كبير.
الكل يتذكر أن الحكومة وقتها التزمت بدفع كافة التزاماتها المالية الداخلية والخارجية دون أي تأخير خلال فترات الحظر الشامل والجزئي التي استمرت لأشهر طويلة، بالمقابل، لجأت مؤسسة الضمان الاجتماعي إلى استحداث برنامج استدامة، الذي من خلاله دفعت المؤسسة لأكثر من 135 ألف عامل في القطاع الخاص كامل رواتبهم لفترات طويلة، مكنتهم من البقاء في أعمالهم، رغم بقائهم في المنازل لأشهر.
ولا ننسى أيضا مبادرة البنك المركزي التي قام بموجبها بتأسيس نافذتين تمويليتين، واللتين ساهمتا في توفير تمويل سريع للقطاع الخاص بأسعار فائدة منخفضة، دعمتاه في شراء مستلزماته الإنتاجية ودفع رواتب العاملين لديه.
كل هذه البرامج أدت في مجملها إلى الحفاظ قدر الإمكان على نشاط القطاع الخاص وعدم تسريح العمال لديه أو إغلاق أنشطته، وهذا يدفعنا اليوم للتفكير جديًا ببرامج دعم مشابهة لتلك التي كانت وقت الجائحة إذا ما استمرت حرب الإبادة في غزة، فالتحوط أفضل وسيلة للوقاية من أية صدمات فجائية للاقتصاد الوطني.