أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

بطَّاح يكتب: الهُدنة الإنسانية في غزة: من ربح؟ ومن خسر؟


د. أحمد بطّاح

بطَّاح يكتب: الهُدنة الإنسانية في غزة: من ربح؟ ومن خسر؟

مدار الساعة ـ
لقد تنفّس العالم الصعداء وبالذات أهالي غزة عندما بدأ سريان الهُدنة الإنسانية صباح يوم الجمعة 24/11/2023، وذلك بعد ما يقارب الخمسين يوماً من الحرب الهمجية التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة بحجة الدفاع عن النفس، والتي لم تتورع فيها من ارتكاب أبشع جرائم الحرب من تهجير للسكان (ما يقارب المليون)، وهدم للمنازل على رؤوس ساكنيها (أكثر من 200,000 وحدة سكنية)، وقتل جماعي (أكثر من 15,000 منهم أكثر من 5000 طفل)، وقصف غير مسبوق في الحروب للمستشفيات (المعمداني، الشفاء، الإندونيسي)، والمدارس (الفاخورة) وغير ذلك من المقارفات البشعة التي تتعارض تماماً ليس فقط مع القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني بل مع جوهر المنظومة القيمية للعالم المُتحضّر.
ولكن... كنتيجة من الذي ربح ومن الذي خسر جرّاء هذه الهُدنة؟. إنّ الإجابة عن هذا السؤال تستدعي منّا أن نعود إلى أهداف كل طرف (إسرائيل وحماس) عند بداية الصراع أيّ بعد السابع من أكتوبر. لقد أعلن نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل بأنه يرمي إلى تحقيق هدفين أساسيين: القضاء على حماس وإخراجها من المعادلة السياسية في قطاع غزة، وتحرير ما أطلقَ عليهم "الرهائن" أو الأسرى. أمّا حماس فقد أعلنت أنها بالضرورة سوف تقاوم الغزو الإسرائيلي ولن تمكّنه من تحقيق غاياته، كما أعلنت أنها لن تُمانع في تحقيق صفقة لتبادل الأسرى (المدنيين والعسكريين) بصورة جزئية أو كلية.
وإذا تأملنا في الوضع الآن مع سريان الهدنة جاز لنا أن نتساءَل: هل حقق نتنياهو أهدافه في القضاء على حماس؟ وهل حقق أهدافه في تحرير من يسميهم "الرهائن"؟ إنَّ من الواضح تماماً أن حماس ما زالت قائمة بل فرضت نفسها كنِد لإسرائيل تفاوضها بشكل غير مباشر كما أن من الواضح أن قدرتها العسكرية لم تتأثر كثيراً بدليل الإصابات الكثيرة الموثّقة التي ألحقتها بالجيش الإسرائيلي وقصفها لتل أبيب حتى في اليومين الأخيرين قبل سريان الهدنة، والواقع أن نتنياهو كان يتخيل أن جيشه الجرار (أربع فرق) المُزوّد بأحدث ما في الترسانة الأمريكية من أسلحة قادر على اجتثاث حماس في أسبوع أو أسبوعين وتحرير من يسميهم "الرهائن" بقوة النار، ولكنه لم يُفلح واضطر للرضوخ لضغوط أهالي "الرهائن" مدعومين بالرأي العام الإسرائيلي، وكذلك بتواضع الإنجاز العسكري على أرض الواقع، وبضغوط الرأي العام العالمي الذي لم يعد يطيق رؤية الجرائم الإسرائيلية وهي تُرتكب أمام ناظريه منقولة على الشاشات بالصوت والصورة!.
أمّا فيما يتعلق "بالرهائن" فإنّ حماس لم تمانع منذ البداية بإطلاق سراح المدنيين الإسرائيليين بل بادرت بإطلاق البعض لأسباب إنسانية، ولكنها اشترطت أن يتم بالمقابل إطلاق عدد من المدنيين الفلسطينيين المعتقلين في سجون الاحتلال، وقد بيّن هذه التبادل أن إسرائيل تحتجز نساءً وأطفالا ًتماماً كما فعلت حماس عندما اجتاحت المستوطنات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر.
وغني عن القول أنّ الصفقة الكبرى في هذه الإطار سوف تكون حين يتم إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين الذين أسرتهم حماس في السابع من أكتوبر مقابل الأسرى الفلسطينيين (يزيد عددهم عن ثمانية آلاف)، إذْ إنّ حماس تطرح منذُ الآن إطلاق سراح ما لديها من جنود مقابل "تبييض" السجون الإسرائيلية أيّ تحرير جميع السجناء الفلسطينيين.
إنّ من المتوقع أن يستأنف نتنياهو الحرب وإلّا فإنّه سوف يغامر بفقدان مستقبله السياسي، ومن المتوقع قبل ذلك أن يتم تمديد الهدنة الحالية لإنجاز مزيد من تبادل "الرهائن" المدنيين، ولكن من المؤكد أن ذلك لن يغيّر من المُحصلة النهائية للحرب، إذْ أنّ إسرائيل سوف تعجز عن تحقيق هدفها الكبير في استئصال حماس لأسباب موضوعية تتعلق بكونها متجذّرة في المجتمع الفلسطيني، ذات بعد وطني مقاوم للاحتلال، وبعد عقائدي يعلي من شأن الجهاد ضد العدو، وبعد شرعي (فازت في انتخابات حُرّة عام 2006)، ولذا فسوف يفرض الواقع نفسه وتعود إسرائيل مُرغمة على التفاوض مع حماس (بشكل غير مباشر كالعادة) للتوصّل إلى تفاهمات مُعيّنة برعاية أطراف إقليمية ودولية لم تعُد ترى حلاً للمعضلة الفلسطينية إلّا بالرجوع إلى قرارات الشرعية الدولية التي تنص على حل الدولتين (دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية)، وليس مستبعداً أبداً أن يتم تنظيم صفقة تبادل كبرى تنطوي على استرجاع الجنود الإسرائيليين المأسورين لدى حماس مقابل إطلاق عدد كبير (إنّ لم يكن كل) الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
إن السياسة هي "فنّ الممكن" ومن الواضح أن نتنياهو المُثقل بمسؤوليته عن الفشل الإسرائيلي المُدّوي في السابع من أكتوبر وبقضايا الفساد لن يتمكن من تحقيق أهدافه الكبرى التي أعلنها منذ البداية لكونها ببساطة فوق طاقته، بل من المُرجح في ضوء ذلك أن يُغادر رئاسة الحكومة ليواجه لجان التحقيق بشأن السابع من أكتوبر ومرافعات المحاكم بشأن تُهم الفساد المطلوب على خلفيتها.
مدار الساعة ـ