الحرب الاجرامية للعدو الصهيوني على غزة سينتهي عاجلًا، أو عاجلُا ،وسيخلف ما شاهده العالم من إجرام الكيان العنصري الصهيوني من مخططات تستهدف الأمة ومخططات التهجير وإعادة رسم معالم حكم غزة والضفة الغربية، وسيشاهد العالم حجم الكوارث في غزة والضفة اثناء الهدن الإنسانية وتبادل الأسرى، ولكن وماذا بعد هذا السؤال.
لا شكّ أن هذا الوقت الأنسب و الأهم لتنقية الأجواء العربية وتجاوز الخلافات بعد كارثة خريف العرب الدموي؛ وخاصة بعد أنْ تبينت أهداف الهجمة الصهيونية الإجرامية على فلسطين بعامة وقطاع غزة بشكلٍ خاص، لأنّها تُعدّ الرؤية الإستراتيجية المستقبلية للأمة العربية؛ ولأن الكيان الصهيوني عبر بشكلٍ جلي وواضح تمامًا أطماعه التوسعية وهدفه الإستراتيجي بالتوسع أولًا على حساب الدول المجاورة وتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار وأصقاع العالم، ولم يعد من الممكن التعامل مع حكومات متطرفة ومجتمع يميني متطرف يعلم طلبة مدارسه العنف والكراهية للآخر وسقطت أمام العالم مقولات ديمقراطية إسرائيل .
من هنا وبعد الكتابة في أكثر من مقال وخبر وتصريح عن مجازر الإحتلال الصهيوني بحق الأطفال والنساء وهدم البيوت واستهداف المساجد والكنائس والمسشفيات أصبحت الأمور أكثر وضوحا، وعلى الاخص عجز المجتمع الدولي وكيله بألف مكيال في قضايا العالم نتيجة تأثير دول عظمى على قرارات كل المؤسسات الدولية وعدم قدرتها على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وبات من الضرورة التفكير في السؤال المهم، وماذا بعد؟، فليس من الممكن أنْ نستمر بوصف الكارثة ووصف العنف والغطرسة الصهيونية ووصف الأحداث وعجز المجتمع الدولي ولا نفكر بالخطوات القادمة..
إنَ التضامن العربي ليس شعارًا يُرفَع، وإنما فعل وعمل يقوم على العلاقات المؤسسية لا على إساءة الدول العربية لبعضها البعض، وقد حان الوقت ليترجم العرب ما اتفقوا عليه في قممهم في شأن المصالحة، ويعبّدوا الطريق أمام علاقات عربية عربية نقية خالصة؛ لخدمة المصالح العليا للأمة العربية، وعدم السماح لأي جهة بأن تستغلّ التناقضات العربية التي يجري تضخيمها فتنفخ فيها لأغراض باتت معروفة، على الرغم من مشروعية الخلاف في كثير من الأحيان؛ لارتباطه عضويًّا بالصراع العربي الصهيوني، ومنه الخلاف الذي كان بسبب الحرب على غزة، وهو خلاف ما كان سيحدث لو توافرت رؤية عربية صافية، ولكنّ المسألة هنا لا تتعلق بهذا الجانب وحده؛ لأنّ الخلافات بين الدول العربية لا تتعلق بموقف واحد؛ فالصورة أكثر تعقيدًا من ذلك، ولكنّ الخلاف يجب ألّا يصل إلى القطيعة الكاملة، وربما كان ذلك هدفًا من أهداف القمم العربية على الرغم من تحفظنا على أنّ هذه القمم تجري في ظروف تتسم بعموميتها، وليست محددة كما هو الشأن في القمم التي تُعقَد في مناطق أخرى من العالم وخاصة في البلاد الغربية.
وإذا حفل خطاب القمم العربية بأكثر من رسالة وفي أكثر من اتجاه، وفي وضوح وقراءة عميقة لطبيعة التحديات التي تواجهها أمتنا على أكثر من صعيد؛ فإنّ اهم شأن هو القضية الفلسطينية ولا سيّما رفض أي محاولة لإلغاء حق العودة، وإزالة أسلحة الدمار الشامل، وجعْل هاتين النقطتين جزءًا رئيسًا من مبادرة السلام العربية؛ أساسًا لتحقيق السلام العادل الذي يستعيد الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
وتأتي هذه الدعوة في ظل بروز حكومة صهيونية جديدة تنهض على خطوط عريضة جرى الاتفاق عليها بين شركاء الائتلاف اليميني الديني المتطرف، ترفض السلام وتعلي من شأن الاستيطان، وترفض الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وتستخدم حقّ الفيتو ضد قيام دولة فلسطينية مستقلة، ولا تقبل بأن يُدرَج موضوع القدس واللاجئين على أي جدول أعمال أو مفاوضات بين الجانبين الفلسطيني ودولة الاحتلال.
اننا بحاجة الى وضع النقاط على الحروف في الاهتمام بالأولويات، وعدم السماح للأمور الثانوية بأن تغير حقيقة أنّ القضية الفلسطينية هي القضية الرئيسة للأمة العربية، ولا يمكن أن يتحقق سلام شعوب المنطقة واستقرارها، إلا بعد إيجاد تسوية عادلة وشاملة لهذه القضية، وإذا كانت المصالحة العربية غير المكتملة فرضت نفسها على أعمال القمم العربية، فإنّ المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية بدت الأكثر إلحاحًا، في ظل الحكومة الصهيونية المتطرفة وافعالها الاجرامية.
ومن الضروري على إعطاء دور لمؤسسات الجامعة المعطلة، واقترح أدوارًا جديدة، مثل: استحداث منصب ممثل السياسة الخارجية العربية، وممثل السياسة الدفاعية العربية، وغير ذلك ممّا يمكنه تطوير أداء مؤسسة الجامعة العربية؛ لتكون ممثلة للإرادة الشعبية العربية بصفة عامة، ولا تخضع لنفوذ بلد واحد هو البلد المضيف. ولا شك في أنّ هذه موضوعات كلها مهمة وضرورية؛ من أجل تنقية الأجواء العربية، ولكنّ التوصل فيها إلى اتفاقات لا شكّ في أنّه يحتاج إلى تطوير شامل لأسلوب العمل، لا التركيز على تحركات دبلوماسية مؤقتة؛ منطلقين من الإيمان بضرورة توحيد العالم العربي، ولا سيّما بسبب ما الموارد التي تملكها الأمة العربية التي تشكل ضغطًا كبيرًا على أي مشروع تدّعيه الأمم المتحدة لصالح قوى الهيمنة والاستكبار، فضلًا عن لجم الأطماع الاستعمارية الغربية؛ لذا ينبغي تحريك الآليات، واستنهاض القوى والأنظمة؛ من أجل بلورة منهج إستراتيجي نوعي يبني ملامح المرحلة العربية القادمة التي يجب أن يستعيد العرب فيها قدرتهم على اتخاذ القرارات المستقبلية التي تحقق مصالحهم، وعندي يقين كامل أن الأردن وقائده الفذ الحكيم هو الاقدر على قيادة مبادرة بهذا الشأن وبخاصة أن الأزمة الأخيرة منحته شخصية قيادية ثابته على الحق والعدل.