وصول ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني إلى مطار مدينة العريش الدولي المحاذي للأراضي الفلسطينية على متن طائرة عسكرية لسلاح الجو الملكيّ الأردني، مشرفاً على عملية تجهيز المستشفى الميداني الأردني الخاص 2، يعبّر عن التزام الأردن تاريخياً بهذا الجزء العزيز من الأراضي المقدسة التي أنجب ترابها الأنبياء منذ بدء الخليقة، وسارت عليها جيوش الفتح الإسلامي وتحطمت على رمالها أعتى جيوش الغزو البربري عبر التاريخ، وحتى استعمار فلسطين في حقبة الإنجليز ومنحها لليهود، كان جيش الأردن والمناضلون من هذا البلد يتدافعون للقتال كي تبقى فلسطين حرة.
مهمة الأمير الحسين يوم أمس ليست نزهة برية يتجول فيها لمرأى الطبيعة، بل هي تسجيل وجود للقيادة الأردنية دعماً لأهلنا في غزة وخان يونس التي أعملت فيها آلة الحرب الإجرامية من قِبل الاحتلال الفاشي، حيث وقف وليّ العهد على عملية إيصال كوادر المستشفى الأردني المجهز بكافة المعدات والأجهزة الطبية، وكان الملك عبدالله الثاني قد دفع بولي عهده كي يرصد عن كثب إيصال المستشفى بكافة أقسام الطوارئ والباطنية العامة وغرف العناية الحثيثة ومستوعبات الخداج، والنسائية والتوليد، ومختبر وصيدلية وتصوير أشعة وغرفة تعقيم، وغرفتي عمليات لإجراء العمليات الجراحية العاجلة وكل ذلك بتوجيهات الملك، حتى لا تتوقف جهود الأردن للوقوف إلى جانب الأشقاء الفلسطينيين، وتقديم الخدمات العلاجية للمرضى ومصابي العدوان الإسرائيلي على غزة.
اليوم عندما يُقدم الأمير بإيعاز من الملك لإيصال كل ما أسلفناه، وإدخال تعزيز لقافلة من أربعين شاحنة تنقل كافة ما يحتاجه إخوتنا في غزة وخان يونس، فإنه يضع شارة حمراء على كتف ولي عهده، كي يتعلم المتربصون بهذا الوطن الذي تحمّل طيلة خمس وسبعين عاماً كل ما يجري على الساحة الفلسطينية، وهذا جرس إنذار كبير كي يصحو العالم العربي ومن بعده دول العالم التي لا تزال تدعم حرب تل أبيب التي تستهدف آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، وهو بهذا لا يتلفت إلى تسجيل مواقف متزلفة، بل أن هذا واجب علينا كأردنيين لبوّا نداء الجهاد لنصرة إخوتهم وبإرسال قوافل الغذاء والدواء.
المفارقة اليوم هي من صلب تاريخنا الوطني، فقد وثقّ التاريخ في شهر كانون الثاني من العام 1948 كيف قاد الأمير طلال بن عبدالله الأول شخصياً، ألف مجاهد مسلح وعبر بهم إلى أرض فلسطين من شرق الأردن، وقالت حينها صحيفة «التليغراف» أن الوريث المفترض لعرش شرق الأردن بدأ حرباً ضروساً ضد عصابات الهاغانا وشتيرن والكتائب اليهودية في الجيش البريطاني، وبثت إذاعة الهاغاناه السرية حينها تحذيرا لجميع القرى العربية الواقعة في المناطق اليهودية أو المستوطنات اليهودية المجاورة من إيواء أي مجموعات عربية قد تصل إلى هناك.
اليوم يعيد التاريخ نفسه، فالأمراء في جيش الأردن قادوا قواتهم للدفاع عن فلسطين، وحاربت قواتنا بأكبر استبسال رغم ضآلة العدة والعتاد، في حين أن البعض ممن كان عليهم واجب الدفاع عن شرف الأمة، قد سقطوا آنذاك في الامتحان، ولكن الأردن يرفع اليوم هامته، لأنه يستضيف حتى الساعة آلاف اللاجئين والنازحين.
النصر لأبطال غزة والرحمة لأطفالهم واللعنة على من تخاذل عن الدفاع لأهلنا في فلسطين التي ستبقى مهوى الأفئدة، ودرتها القدس الشريف.