رغم الألم الذي يعتصر قلبي حزنًا وغضبًا على ما يحدث في فلسطين وغزة بشكل خاص من مجازر لم يشهد التاريخ لها مثيل، وكذلك مقاومة يفخر بها كل حر في هذا العالم ، فإن مقالي هذه المرة سيأخذ مسارًا مغايرًا في بدايته، وأساس ذلك هو ذلك الدعم والمؤازرة العمياء والمطلقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا للكيان الصهيوني في حربه الاجرامية على غزة.
لقد كنت كسياسي متابع لتاريخ اليهود والصراعات في العالم، وفي المنطقة العربية والإسلامية، وأجمعت كالمصادر التاريخية أن اليهود كانوا دومًا يعيشون في عالمنا العربي والإسلامي كباقي الديانات والطوائف والقوميات بمحبة وسلام، والغريب أن من كان يحتقر اليهود كانت الشعوب ألاوروبية، بينما كانت حواري اليهود في القاهرة ومراكش وبغداد ودمشق واليمن وغيرها يعيشون في سلام، فلماذا هذا العنف والإجرام والقتل من اليهود وأقول اليهود ولا أقول إسرائيل لأن دولة إسرائيل بدعة عند الكثيرين حتى من أتباع الديانة اليهودية مثل حركة ناطوري كارتا، ويفترض أن أوروبا وأمريكا أول من يعارض إنشاء الدول على أساس ديني، وليس أدل على ذلك أن فرنسا تعارض كل المظاهر والرموز الدينية في مدارسها وجامعاتها تحت ذريعة الحرية! ، فكيف تقبل دولة يهودية أي دولة تقوم على أساس ديني.
من جانب آخر إذا صحت تفاصيل المحرقة اليهودية بكل تفاصيلها فمن قام بارتكابها؟ ،أليست أوروبا التي احتقرت اليهود، فلماذا هذا العنف والتصعيد ضد العرب والمسلمين وأبناء فلسطين تحديدًا ؟ !، ومن أباد الهنود الحمر في العالم الجديد كما أسموه ؟، و من قتل شعب العراق وفيتنام وافغانستان وليبيا وغيرها، والإجابة بشكل واضح للعالم: أنه العالم الغربي الذي تخلص من كل هذه الشعوب.
اما اليهود فتحت شعار الوطن القومي لهم ارتكبت كل انتهاكات حقوق الإنسان، ومخالفة كل التشريعات، وكانت أمام الغرب خيارات عدة، ودليل ذلك أن فلسطين كانت خيارًا من خيارات وليست وطنهم، ولم تكن يومًا ولن تكون مستقبلًا، فكان وعد بلفور واتفاقية سايس _بيكو، ونتائج الحرب العالمية الثانية هي الفرصة التاريخية وتماشت مع ذلك الصهيونية العالمية فكانت نكبة ونكسة فلسطين .
ومنها أكتب لكم عن أحداث هذه الأيام المرة، إذ ظهرت صدق وجهة النظر في أوروبا أن اليهود شعب قاتل بامتياز وأنه خطر على أوروبا وأمريكا ولنقذف له لنمزق وحدة العالم العربي والإسلامي بزرع هذا الكيان العنصري المتطرف في قلبه فلسطين، وللأسف الشديد ان من عاش وسط العرب والمسلمين انتهز الفرصة وانقلب على من عاش بينهم فكانت المجازر والمقابر الجماعية عنوان تأسيس الدولة اليهودية المزعومة إسرائيل.
من هنا أكتب لكم عن أحداث اليوم، فقد صرح نائب رئيس الكنيست الصهيوني بطلب بسيط من جيش الاحتلال وقيادته السياسية لحرق غزة، وكأن غزة لم تحترق بعد، أما قادة الكيان الصهيوني العنصري والمستبد فيدعون إلى إعادة احتلال غزة وتهجير أهلها وكأنهم لم يفعلوا ذلك، أما مشاهد المجازر والمقابر الجماعية فقد أصبحت مشهدًا يوميًا لنا ،وستعيش معنا ما دمنا أحياءًا ، فما حدث في غزة لم يحدث في أي مكان في العالم عبر قرن وأكثر، وأي حديث سيعجز عن وصف انتهاك القيم الإنسانية والأخلاقية التي ارتكبها الكيان الصهيوني بدعم غربي كامل وعجز عالمي كامل، وما حدث يقدم حقيقة هذا الكيان العنصري الصهيوني بأنه أكبر وابشع كيان ظهر على وجه الأرض.
أنه كيان منظمات الإرهاب والتطرف، وبالتاكيد أن المنظمات الإرهابية في العالم ستتعلم من أفعال جيش الاحتلال الصهيوني الكثير، فهذا الكيان الصهيوني وجيشه المجرم أكبر مدرسة عالمية لتدريس العنف والإجرام والقتل عرفه التاريخ يومًا، وستبقى صور الأطفال الرضع في الخداج ، وشهداء مدرسة الفاخورة وتل الزعتر وغيرها وصمة عار بحق العالم، أما قادة الغرب فيجب أن يحاكموا مع قادة الكيان الصهيوني وجيش الإحتلال بتهم إرتكاب مجازر حرب إبادة وتطهير وتهجير وانتهاك القانون الدولي الإنساني ان بقي هناك قانون، وإن بقيت هناك منظمات إنسانية تحظى باحترام أحد فقد سقطت لانحيازها أولا وعجزها ثانيًا، أما الغرب المتوحش صاحب المعايير المزدوجة فالأيام ستثبت أنه قاتل بامتياز شأنه شأن العدو الصهيوني وذلك في اللحظة التي منح فيها قيادة كيان الإحتلال الصهيوني تفويض القتل المفتوح، وهو تفويض منحه لهم يوم قيام دولتهم المزعومة وفي حروب ومجازر الكيان الصهيوني، رغم لغةالسلاموالمحبةعند شعوبنا، وبالمناسبة ثبت أن من قتل الاسرائيلين في حفل رعيم بغلاف غزة كانت طائرات إسرائيلية وهذا اثبتته شرطتهم وصحيفة هائريتس.
لقد أصبحت خطة الكيان الصهيوني واضحة جدًا، وهي استمرار قصف المدنيين وارتكاب المجازر، ومحو غزة عن وجه الأرض، حتى لو وصل عدد الشهداء الى مليون، والعمل على تدمير البنى التحتية و كل شيء، ثم تهجير أهل فلسطين كافة في الضفة الغربية وحتى من مناطق عام ١٩٤٨.
ولكن فاليعلم هذا الكيان الصهيوني المتغطرس أنه سيسقط، وأقولها في خضمّ هذه المعركة ، وأنا أعرف أن فلسطين لم تغب عن فكر الأردن يومًا، وهو شقيق فلسطين وإن الملك عبدالله الثاني مثل أبيه وجده مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية الاوصياء على مقدسات فلسطين، ويعدّون فلسطين قضية الأردن الأولى والتفريط في الحق فيها أو التنازل عنها خط أحمر. لذا، رغم الألم فالأمل موجود بأننا لن نهزم في معركة الصمود، ومن هنا، فإنّ هذا لا يمنع الأسئلة التي تطرح نفسها في هذه الأيام من أيام وطننا العربي الفريدة من نوعها: هل فقد أصحاب القرار في وطننا العربي الإيجابية في اتخاذ القرار؟ وهل أصبح انعدام الوزن سمة عربية؟ وهل صارت الأماني هدفًا ووسيلة للمواطن العربي؟ حتى صدق فينا قول الشاعر إبراهيم اليازجي قبل أكثر من قرن، ولعلنا كنا أفضل حالًا:
وكما قال الشاعر:
فيمَ التعلُّلُ بالآمالِ تخدعُكُمْ وأنتمُ بينَ راحاتِ القنا سُلبُ
ففي الوقت الذي يُجمع فيه الباحثون على إنّ السلبية غير المفهومة هي التي تطبع هذه الأمة ممثلة بأحزابها ونقاباتها وشخصياتها ويغيب عنهم تغليب المصالح الوطنية العليا والهموم القومية على حساب المصالح الذاتية، بحيث أصبح الوضع مضحكًا مبكيًا.
وفي غمرة كل ذلك يتساءل المواطن العربي: متى تنتهي الغيبوبة؟ فقد طال فقدان الوعي كثيرًا، وخسرنا أكثر على مستوى الأهداف والوسائل، حتى صدق فينا القول: أصبحنا هدفًا يُرْمى ولا يرمي، ويُعصى الله ورسوله فينا ولا يتحرك لنا جفن، ولا يخفق لنا قلب، وإلا بماذا تفسرون ما نحن فيه؟ وماذا يمكن للدور العربي أن يقول ولا سيّما أنّ أمامه أكثر من مهمة صعبة؟ وكيف يمكن الرد على خطاب الكيان الصهيوني العنصري وهو يطالب بالاعتراف بيهودية الكيان الصهيوني وإلغاء حق العودة ونسيان القدس؟ وكيف يمكن الرد على عدوانية الحركة الصهيونية وخططها السرية والعلنية لتهجير الفلسطينيين وبناء المستوطنات وتهويد الشجر والحجر وتشريد البشر وقتل السكان في غزة والضفة الغربية؟ وكيف يمكن التعامل مع الخطاب العربي الرسمي المعاصر ومحاولة ملء نواقصه؟ وكيف يمكن بلورة رؤية عربية تقف في وجه المشروع الإمبريالي المتوحش في المنطقة الذي يريد مزيدًا من التقسيم والتهجير والاستغلال تحت مسميات عديدة؟ أفبعد هذا كله والاحتلال الصهيوني لفلسطين ستصمتون، وأنا أقول لكم إن صمتم فالقادم ليس في صالحكم، فها هي العصابات والمهاجرون الصهاينة عيونهم سوداء مظلمة، وقلوبهم سوداء، وأنا أتخيل آلاف الرجال قد خرجوا من فلسطين يحملون مفاتيح بيوتهم على أمل العودة، وها هي اليوم معلقة قد أكلها الصدأ أمام أحفادهم، وكأنه يخبرهم أن لا سبيل إلى الباب؛ فقد هشمته الأيدي الظالمة، وأمّا الحجارة العتيقة التي كانت تحفظ ساكنيها فقد طواها النسيان؛ لأنها الآن تحمل اسمًا آخر في مستوطنة يهودية ، والجرح ما زال والموت يجثم بلا رحمة فوق كل شي، والشهداء يتساقطون كأوراق الشجر، والأيام تزداد ظلامًا حالكًا، وبؤسًا، والموت بديلًا؟، فهل تريدون أن يكون مستقبلك هكذا كما يقول قادة الكيان الصهيوني بأن أرض إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات بل ربما أوسع بكثير!.
وأخيرًا، أقول بثقة رغم ما سبق نحن سنبقى للنهاية، ولن يسلبونا شيئًا؛ فإنّ خسائرنا في فلسطين لها أسبابها ومبرراتها وظروفها، وبقيت لنا أهدافنا وطموحاتنا ومبادئنا، وبقيت أمامنا المقاومة، وسنستمرّ فيها ولن نُهزَم، وسيصبح دمنا ثمينًا، وسيشرق نورنا، وتتحقق آمالنا، وننهض مثل طائر الفينيق من تحت الرماد، وسيندثر أعداؤنا بإذن الله تعالى؛ فهم مجرد وهم كبير، لم يقم إلاّ على ضعفنا وتشرذمنا.
وحين تتحد سواعدنا حول المقاومة بطرقها وأساليبها كلها النظرية والعملية؛ سيجد أعداؤنا أنفسهم صغارًا في مواجهة أمة عظيمة تمتد أرضها من الماء إلى الماء، ذات كفاءة وقدرة فائقة على صناعة الحياة، ولن يستطيع الأقزام أن يقتلعوا جذورنا من أرضنا، فنحن أعظم حقائق الكون.
أما وطني الأغلى الأردن فأرجو الله عز وجل أن يحفظ الوطن وقيادته وقد أحتفى بمئويته الثانية التي نؤمّل أن تكون حافلة بالإنجازات العظيمة.
في خضمّ كلّ ذلك كان سأبقى مدافعًا عن فلسطين وحقها في إعلان دولة مستقلة كاملة عاصمتها القدس، وسأكتب هذه الأبيات للشاعر المرحوم موسى ابوزيد أبي رحمه الله وهي أبيات المجد والفخر بالشعب الفلسطيني العظيم المقاوم الصابر الصامد فهي الأساس في هذه اللحظة:
وطني يعانق طلعة الأبطــــال في هجمة الآساد والأشبال
قد زغرد الليل الضحوك مردّدًا صوت القنابل كالنشيد العالي
وغدا به الرشاش يعزف لحنه في نغمة المقدام والصــوال
هي قصة كتبت لتشهد أننا شعب تمرّس في طريق نضال
وعيونهم نحو السماء شواخص تدعو الإله بموقع الآمــال
قسمًا بها وبإسمها سنصونها ونعيدها في عاجل الآجــال.