من المعروف للجميع أن المملكة تستورد الغاز المُسال من إسرائيل عن طريق شركة أميركية معنية بتطوير حقول الغاز هناك، حيث تم في الثالث من شهر أيلول من عام 2014، توقيع رسالة نوايا من قبل شركة الكهرباء الوطنية، المملوكة بالكامل للحكومة، مع تجمّع شركات حقل ليفياثان ممثلة بشركة نوبل إنيرجي الأميركية، حيث تصل قيمة الاتفاقية إلى 15 مليار دولار على مدار 15 سنة مقابل ما مجموعه 45 مليار متر مكعب من الغاز.
بناءً على هذه الاتفاقية، ستدفع شركة الكهرباء الوطنية لتجمع شركات حقل ليفياثان مليار دولار سنويًا من إجمالي مصاريفها السنوية والبالغة 3.5 مليار دولار، أي 30 % (بحسب الموقع الإلكتروني لوزارة الطاقة الأردنية).
حينها بررت الحكومة هذه الصفقة بأسباب اقتصادية، مدعية أن الصفقة ضرورية لمواجهة عجز الطاقة والبدء في إطفاء خسائر شركة الكهرباء الوطنية، لكن العديد من المعلقين شككوا في هذه الحجج، خاصة أن السعر لا يتجاوز 7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، ولا شك أن ذلك قد وفر أموالاً كثيرة على الحكومة لو لجأت إلى شراء الغاز من الأسواق العالمية، وهو ضعف هذا السعر بالحد الأدنى.
ما يهمنا في هذا المقال هو كيفية مواجهة الأردن لاحتمال قيام كيان الاحتلال بإلغاء الاتفاقية أو وقف تنفيذها، وبالتالي توقف توريد الغاز للأردن، مختلقة بذلك بعض الأسباب القاهرة لعدم استكمال تنفيذ إمدادات الغاز للمملكة نتيجة لمواقفها السياسية المناهضة لحرب غزة.
كل السيناريوهات واردة مع كيان الاحتلال؛ فلا ثقة مع هذا الكيان أبدًا، وكل الخيارات متاحة في ظل هذه الغطرسة.
طبعًا، الأسباب القاهرة لعدم توريد الغاز للأردن يجب أن تكون متعلقة بكل الحقول وليس بحقل محدد، ولذلك، فإن القانون الدولي سيكون إلى جانب الأردن في هذه المسألة، ناهيك عن علاقة الأردن مع الشركة الأميركية التي تم أساسًا توقيع الاتفاق معها والمسؤولة عن التنفيذ في الواجهة.
لكن بالمقابل، ما يهمنا هو أنه في حال حدث سيناريو انقطاع هذا الغاز عن المملكة في هذا الوقت تحديدًا، كيف ستواجه الحكومة هذا السيناريو وهل هي مستعدة لذلك.
وفي حال انقطاع الغاز الإسرائيلي عن المملكة، فإن الحكومة ستواجه خيارين لتعويضه فورًا وهما:
أولًا، اللجوء إلى السوق العالمي لشراء الغاز المُسال، وحينها سيكون السعر بحدود 14 دولارًا للمتر المكعب، وهذا يعني ببساطة أن الخزينة ستتكبد 35 مليون دينار شهريًا.
ثانيًا، أن تستبدل الحكومة الغاز المُسال بزيت الوقود أو الفيول، وهذا بأسعار مرتفعة جدًا وسيكلف الخزينة ما يقارب 140 مليون دينار شهريًا.
الأرقام السابقة توضح حجم الكلفة المالية الحقيقية لاستبدال الغاز الإسرائيلي على الخزينة، وهذا أمر لا يخفى على صانع القرار في المملكة الذي يستعد الآن لمواجهة كل السيناريوهات وتداعيات حرب الإبادة على غزة، لذلك، بدأ مبكرًا بالمفاوضات السرية مع عدد من الدول الصديقة لشراء الغاز منها في حال ارتكاب كيان الاحتلال لأي حماقات ضد الموقف السياسي للمملكة المناهض كليًا لحرب غزة.
موقف الأردن السياسي لن يساوم بالغاز أو المال، فالموقف ثابت وهو الرفض الكلي لحرب غزة، فالأردن من الدول الأساسية الداعية لإقامة السلام الشامل في المنطقة وحل الدولتين والرافض لكل سياسات كيان الاحتلال الرافض للسلام في المنطقة، وبالتالي، فإن تحرك الحكومة في اتجاه تأمين احتياجات المملكة من الغاز ومشتقات الطاقة المختلفة هو تحرك سلس وإيجابي ويؤكد على سلامة الموقف السياسي الوطني تجاه القضية الفلسطينية.
ماليًا، سيكون لذلك آثار على الخزينة، لكن هناك قدرة مالية لدى الاقتصاد في التعامل مع أسوأ السيناريوهات، فالوضع الاقتصادي مستقر، واحتياطات المملكة من العملات الصعبة تسمح للحكومة بالتحرك بكل الاتجاهات، والبدائل متوفرة سواء كانت خارجية أم داخلية.
المهم في ذلك كله هو تناسق الموقف الرسمي والشعبي ووحدة الصف تجاه كل القضايا والأحداث الدولية والإقليمية والمحلية.