قبل كل شيء فلنيقن الحقيقة ألا وهي أنه من الطبيعي جداً أن يتأثر الإنسان عندما يشاهد صور
و/أو يسمع عنف يسلّط على أشخاص آخرين، والتأثر الذي يبدأ باعتلال المزاج يدل على أننا لا زلنا نحمل حسّاً إنسانيّاً، نتفاعل مع آلام الآخرين مهما كانت وبغض النظر عن هويته و/أو بلده ومهما كان دينه و/أو عرقه.
كما أنه من غير الطبيعي ألا نشعر بالتأثر حين نشاهد صور العنف و/او نسمع و/أو نقرأ عنه وأن نعتبر ما يحدث أمراً عادياً في حين أن هنالك أشخاص يموتون.
لذا من الطبيعي والعادي أن تحصل لدينا ردود فعل لأننا نشعر بالتعاطف عندما نشاهد أشكال العنف تمس أي طرف كان، أو عندما نشاهد صور أذى يحصل لأشخاص مهما كانوا فإننا نتأثر، وهو أمر صحي نفسياً وعقلياً لأن لدينا تعاطفاً مع الضحايا، وهذا يعني أن حياة الإنسان لها قيمة لدينا.
لكن؛ من المؤكدأن هذا الأمر يؤثر علينا على المدى الطويل، فالتعرض للكثير من الأخبار من الصور، الفيديوهات والعناوين العنيفة والمتكررة لفترة من الزمن وبشكل شبه مستمر يجعل هذا الأمر اعتيادياً بالنسبة لنا، ونصل إلى مرحلة أننا لا نعود نشعر بشيء..
كيف أعرف أنني أعاني من خِدر الصدمة الجماعية
التعرض المتكرر لهذه الصور /الفيديوهات/الاخبار العنيفة والقاسية يمكن أن يؤدي إلى العديد من الأعراض؛
- كمشاكل النوم والأرق
- القلق، وحالات اكتئاب
- إحساس بالعجز أي أن المرء يشعر أنه غير قادر على التأثير أو فعل شيء... وهوخلف الشاشة. ومشاهدة هذه الصور تولد هذه الأعراضلا سيما لدى الشباب صغار السن والمراهقين الذين هم أكثر هشاشة (هشاشة نفسية) فذلك يخلق لديهم اضطرابات سلوكية وشعوراً بالخوف إضافة إلى متلازمة الناجي التي تحدثنا عنها بالمقال السابق. كما التعلق بعائلاتهم أكثر لأن الخوف يسيطر عليهم من ناحية أن يحصل لهم شيء، كما يصبحون غير قادرين على التركيز في دراستهم و/أو عملهم.
كما يفقد الإنسان أيضا الشعور بالأمان، حيث يصبح متأهباً وقلقاً بأنشيئاً ما سيحصل لهأينما كان.
كما أن ما نراه و/أو نسمعه يمكن أن يوقظ صدمات كامنة بداخلنا، لا سيما لدى أولئك الذين عايشوا الحروب و/أو الاضطرابات و/أو تفجيرات و/أو زلازل أو أي نوع من أنواع الكوارث الطبيعية أو غيرها... سيتجدد لديهم الشعور وبشكل أقوى بذكرياتهم وتجاربهم، إذا كانوا معرضين باستمرار لهذه الأخبار والمشاهد العنيفة.
هل من الممكن حماية أنفسنا من هذا الخدر ؟
قبل كل شي يجب أن نذّكر أنفسنا ونستوعب أنهمن الطبيعي التعاطف مع القضايا الإنسانية وأنه من الطبيعي أن نشعر بالخوف.
لحماية أنفسنا من هذا الخِدر يجب ألا نكون معرضين لوقت طويل لهذا الكم الهائل من هذه الصور، ونحاول أن نحمي أنفسنا قليلاً..
والهدف ليس أن نبتعد كلياً طبعاً ونغمض أعيننا عن الواقع وألا نعرف ما الذي يدور في العالم من حولنا وإنما الهدف؛ أن نقول مثلاً: سأتابععشر أو عشرين دقيقة فقط في اليوم لآخذ مسافة عن عنف هذه الفيديوهات/المشاهد.
وأحاول أن أتابع الموضوع من خلال القراءة والاستماع أكثر من مشاهدة الصور والفيديوهات، لنحمي أنفسنا من الأعراض التي تحدثنا عنها.
ونحاول أن نتكلم أكثر عما نشعر مع أشخاص نثق فيهم لنعبر عن الغضب الذي نشعر به تجاه ما يحصل في العالم، نتحدث عن الخوف وعن الإحساس بعدم الأمان.
مرةً أخرى الهدف؛ ليس أن نصم آذاننا عما يحدث حولنا، لكن الهدف أن نكون أكثر وعياً بما نشعر تجاه ما يحصل.
وعلينا أن نحاول أن نواصل حياتنا بطريقة طبيعية نقتصر فيها على عشر دقائق إلى عشرين دقيقة على أقصى تقدير في اليوم، نتابعخلالهاالمعلومات المكتوبة والمسموعة ونحاول بعد ذلك أن نمارس العادات التي كانت في السابق تساعدنا على الخروجمن حالات الضيق.
كما أنه من المهم جداً أن نحافظ على علاقاتنا الاجتماعية، لنتحدث عما نشعر به.
ونحاول أيضا أن نحمي أبناءنا بقدر الإمكان من هذه الصور، نحاول أن نجنبهم مشاهدة مقاطع العنف والصور الصادمة، لأن ذلك سيؤثر عليهم سلبياً كثيراً. وأن نفسر لهم إذا طلبوا ما يحصل من أحداث، طبعاً ليس قبل عمر السبع سنوات ونحاول أن نطمئنهم ونؤكد لهم أنهم بأمان.
وان لم نستطع استيعاب ما يحصل او السيطرة على الاعتلال المزاجي و/او عقدة الذنب و/أو الخدر الذي يصيبنا جراء ما يحدث فيجب علينا التواصل مع مختص للمساعدة.