قبل شهر من الآن (15/ 10), أعلن البيت الأبيض كما وزير الخارجية/بلينكن, أن الرئيس بايدن «عيّنَ» السفير المتقاعد/ديفيد ساترفيلد, مبعوثاً خاصاً للولايات المتحدة لـ«القضايا الإنسانية» في الشرق الأوسط, مُضيفاً/بلينكن: إن ساترفيلد سيقود الجهود الرامية إلى «معالجة الأزمة الإنسانية في قطاع غزّة», والتنسيق مع شركائنا لـ«تقديم المساعدة المُنقِذة للحياة, للفئات الأكثر ضَعفاً, وتعزيز سلامة المدنيين بالتنسيق مع الأمم المتحدة».
وإذ لم تتأخر وسائل الإعلام الأميركية كما تلك المنخرطة في الترويج للبروباغندا الصهيوأميركية, بالإشاة بخطوة بايدن «الإنسانية»، فإن أحداً وبعد مرور شهر كامل على تعيين ساترفيلد, لم يلحظ في المنطقة وخصوصاً في قطاع غزة المنكوب, وتحديداً الفئات الأكثر ضعفاً, أن هناك مَن ساعدهم أو أسهم في إنقاذ حيواتهم، بل خرج علينا المبعوث الأميركي «الإنساني» الخاص, ليكرر بشكل فظ واستفزازي في مقابلة مع إحدى القنوات التلفزيونية/ ONTV ما تعمّد الدبلوماسيون الأميركييون وعلى رأسهم بلينكن وسوليفان ومنسق مجلس الأمن القومي/جون كيري القي?م بترويج الرواية الصهيونية, منذ السابع من تشرين الأول الماضي وحتى الآن، مُتجاهلاً/ساترفيلد عن قصد, الإضاءة على ما عمله (إن كان عمِل شيئاً في الأساس) منذ تعيينه، بل انخرط في الدفاع عن وتبرير ارتكابات جيش العدو الصهيوني, سواء ما خص جرائم الإبادة الجماعية التي يقارفها ضد مدن وبلدات ومخيمات القطاع المنكوب, أم خصوصاً إزاء حصار المشافي الفلسطينية ومنع الوقود والماء والكهرباء والغذاء عنها، حدّ تبنّي خطاب حكومة الإرهابيين في تل أبيب, الرامي تهجير سكان شمال القطاع, والدعوة لإجلاء تلك المشافي من المرضى والجرحى والأط?ال, نحو جنوب القطاع حيث «تتوفّر» كل تلك الاحتياجات في الجنوب «فقط» كما زعم.
من هنا حرِصَ المبعوث الانساني الأميركي على القول ان بلاده تدعم الهدف من «حملة إسرائيل» كما وصفها، لتكون خالية من حماس، مُضيفاً اننا «تحدثّنا» عن الأمل في عقد هدنة إنسانية في غزة، رغم أن ظروف غزة الآن هي بسبب حماس, وعلى حماس أن تسمحَ لمن في المستشفيات في التحرّك بأمان (يقصد التوجّه سيراً على الأقدام إلى الجنوب).
وإذ سُئل ساترفيلد هو عن سبب رفض إسرائيل دخول الوقود إلى قطاع غزة, ما أدّى إلى خروج نحو «20» مشفى عن الخدمة ووفاة أطفال رضّع وخدّج.. سارع المبعوث «الإنساني» للرد بصفاقة: الوقود مُتوفر «في الجنوب» من أجل المستشفيات, من أجل تحلية المياه ومن أجل توصيل الإغاثة الإنسانية. ونحن –أضاف باستعلاء- على ثقة أن «الوقود سوف يظل متوافراً في الجنوب».
وفي إجابته عن سؤال حول الأوضاع في شمال القطاع؟, كرر تبرئة حكومة الإرهابيين في تل أبيب بالقول: حماس كانت تسيطر على الوقود هناك الذي يغذي المستشفيات, وينبغي أن يُوجّه السؤال لحماس, بالنسبة للظروف داخل المستشفيات وداخل مستشفى الشفاء على وجه الخصوص. رغم ذلك - أضافَ بعنجهية- وزير خارجيتنا/بلينكن قالها بـ«منتهى القوة», أنه عندما يَرى مشاهد القتلى والأطفال الموتى, نفكّر في أطفالنا وكأنه ضربة مُوجعة ومؤلمة، نحن نشعر بذلك وكيف لا نشعر بذلك؟. (يا لإنسانيتهم حقاً!)..
ماذا عن استمرار الحرب على القطاع المنكوب؟.
قال (فُضّ فوه) الإدارة الأميركية ترغب في أن تتم العملية العسكرية بـ«كفاءة», وتجنّب أكبر قدر من المواقع المدنية, بما يُشكل - واصلَ في استخاف واضح بعقول المشاهدين - احتراماً للمدنيين, بالرغم مما اقترفته تلك الجماعة الإرهابية (يقصِد حماس) من استخدام تلك المواقع لدمج منشآتها. لكنه عاد وشدّد قائلاً: بالرغم من كل هذا, لكننا نرى أنه «ينبغي للعملية العسكرية أن تتم».
سُئل المستر ساترفيلد ما إذا كان يرى أن تذهبَ كل المساعدات الإنسانية والوقود إلى الجنوب ولا شيء لشمال القطاع؟ فأجاب باستذكاء مكشوف: لم أقل ذلك... «نأمل» أن تصل المساعدات إلى الشمال, بحيث «لا تصل إلى حماس, من أجل تهوية الأنفاق واستمرار إرهابهم», وهذا - تابعَ - من المُمكن أن يحدث.
ولم يخجل سعادة المبعوث الإنساني من الزعم, أن سبب تواجد قوات الاحتلال على بعد 20 متراً من مشفى الشفاء في غزة, هو كون «المشفى غطاء حماية كدرع لِمُنشأة خاصة بحماس», (تماماً كما يكذب ناطق جيش العدو). وعندما سُئل ماذا سيحدث للمصابين والمرضى الذين يُطالبهم جيش الإحتلال بالإخلاء؟. أجاب بلا تردّد حدود الوقاحة: «ينبغي» أن يتم السماح بذلك «الإخلاء» عبر ممرات آمنة, مُتفق عليها بشكل آمن».
هذه هي المهمة والمواقف «الإنسانية» الحقيقية للمبعوث الأميركي.
فهل نحن أمام «جنرال» بلبوس إنساني مُزيّف؟.
** استدراك:
كشف استطلاع نشر أول أمس/الإثنين، أن الجمهور اليهودي يؤيد الإجراءات التي يستخدمها أو قد يستخدمها جيش العدو في قطاع غزة. فعلى سبيل المثال، على مقياس «الشرعية» الذي يتراوح من (1 إلى 7)، أجاب اليهود المُستطلعة آراؤهم، بأن «منع إدخال الغذاء» أمر مشروع عند مستوى (5,7)، وكانت النسبة مماثلة أيضاً في حالة «منع إدخال الأدوية». وفي ما يتعلّق بقطع الكهرباء والوقود، فقد أيَّد اليهود ذلك عند مستوى(6.3)، فيما ارتفع التأييد إلى (6.6) في حالة قصف الأحياء السكنية, التي يزعم الجيش الإسرائيلي أن «حماس» تتواجد فيها، وبلغت مستو? (6) في حالة «قصف المستشفيات».