مدار الساعة - فر محمود المصري إلى رفح في جنوب قطاع غزة هربا من القصف وكان قبل ذلك قد دفن إخوته الثلاثة وخمسة من أبنائهم قضوا في قصف إسرائيلي في قبر جماعي حفره في بستان حمضيات تابع لمنزله.
قبل الحرب الأخيرة، كان المصري البالغ ستين عاما يعيش في منزل مكون من طابقين وسط بستان حمضيات كبير في بيت حانون في شمال شرق قطاع غزة قرب السياج الفاصل مع إسرائيل.
أوقع القصف الإسرائيلي المستمر منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 10569 قتيلا، معظمهم مدنيون، بينهم 4324 طفلا و2823 امرأة، و26475 جريحا وفق وزارة الصحة التابعة لحماس.
وشنّت حماس قبل شهر هجوما مباغتا غير مسبوق في تاريخ الدولة العبرية على جنوب إسرائيل حيث قتل 1400 شخص، غالبيتهم من المدنيين قضوا بمعظمهم في اليوم الأول للهجوم، واحتجزت حماس أكثر من 240 رهينة، بحسب السلطات الإسرائيلية.
في بداية الحرب تجاهل المصري وهو مزارع، نداءات الجيش الإسرائيلي لسكان شمال قطاع غزة التي تطالبهم بالنزوح جنوبا، لكن اشتداد القصف في المنطقة دفعه إلى النزوح قبل حوالى عشرة أيام مع زوجته وأولاده إلى أحد المستشفيات.
ويقول لوكالة فرانس برس التي التقته في خان يونس في جنوب القطاع، إن القصف العنيف والمتواصل اضطره إلى دفن أفراد العائلة في البستان بعدما قضوا في ضربة إسرائيلية على بيت حانون .
ويضيف "لا خيار لدينا، فالمقبرة تقع في المنطقة الحدودية التي توغلت فيها الدبابات".
ويستدرك "الوضع خطير جدا، سوف أنقل الجثث بعد الحرب".
ويؤكد "علمت أن الجرافات (الإسرائيلية) هدمت بيتي لا أعرف هل بقي القبر أم دمروه".
ملعب كرة القد صار مقبرة
وتسبب ارتفاع أعداد القتلى في اكتظاظ معظم مقابر القطاع مع استحالة الوصول إلى تلك الواقعة عند الحدود في مناطق يستهدفها القطف الإسرائيلي دونما هوادة.
واضطرت هذه الأزمة العائلات إلى تصرف وفق ما هو متوافر من إمكانات.
مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، قصفت إسرائيل مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين وقالت وزارة الصحة في قطاع غزة إن العشرات قضوا جراء القصف الذي استهدف منازل سكنية.
حينها، انتشل السكان نحو خمسين جثة بينها نساء وأطفال.
حمل الأهالي تلك الجثامين في صندوق شاحنة إلى المستشفى الإندونيسي قبل أن ينقل بعضها على عربات تجرها جياد إلى إحدى المقابر.
لكنهم لم يجدوا مكانا لدفنها. فتوجه المشيعون نحو ملعب ترابي لكرة القدم خلف المستشفى الأندونيسي وأقاموا حفرة كبيرة مستطيلة الشكل، قسموها إلى قسمين، واحد للذكور والثاني للإناث، دفنوا القتلى قبل أن يغطوا الحفرة بألواح من الصفيح ويرموا عليها الأتربة.
قبل الحرب، كان الملعب الواقع في منطقة تل الزعتر في مخيم اللاجئين مخصصا للمباريات المحلية وهو تابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وتحيط بالملعب ثلاث مدارس تابعة للأمم المتحدة تم تحويلها إلى مراكز لجوء للنازحين خلال الحرب ، تتدلى من شرفاتها الملابس المغسولة.
يقول شحتة ناصر البالغ 48 عاما "ندفن الشهداء في أماكن عامة، في الملاعب، في أراض فارغة، لا مكان في المقابر".
ويضيف الرجل الذي شارك في الدفن الجماعي "يتم نقل الشهداء في عربات الحيوانات بسبب نفاد الوقود" اللازم لتشغيل المركبات.