مدار الساعة - كتب: عبدالهادي راجي المجالي - أريد أن أشكر قطر, لا على موقفها السياسي, ولكن على وضوحها التام في أحداث غزة الأخيرة.. لم يتخذ إعلامها موقفاً محايداً أبداً, الجزيرة كانت واضحة من اليوم الأول وانحازت للحق الفلسطيني, انحازت للمبادئ القومية وللعروبة وللإسلام, وهذا الموقف هو الذي جعل العالم يتسمر أمام هذه المحطة.
شكراً لقطر لأنها دولة ظلت كلاسيكية بالمفهوم العروبي, ولم تتعاط مع الحداثة والعصرنة والمشاريع العالمية, في إطار الإنسلاخ عن الهم القومي, وفي إطار التحرر من قضايا الأمة.. وفي إطار الجلوس على (كنباية) وثيرة في زاوية الغرفة والاكتفاء بمتابعة المشهد فقط.
شكراً لقطر أيضاً, لأنها استدركت مبكراً ماذا يعني فتح نافذة للقيادة السياسية في حماس, وصنع موطء قدم لهم على أرضها, والحوار معهم في إطار مصلحة القضية والمقاومة.. ولم يقم ساستها بممارسة الضغوط على اسماعيل هنية ولا على خالد مشعل.. بل تركوا لهم حرية القرار , ووفروا لهم قنوات الاتصال.. وفتحوا منابرهم الإعلامية والرسمية من أجل خدمة الموقف.
شكراً لقطر.. لأنها احترمت دورها , كانت في لحظة بالرغم من هجومنا عليها وبالرغم من هجوم الإعلام الرسمي العربي والعالمي على ساستها، تدرك ماذا يعني احتضانها للإخوان وعدم التخلي عن هذه الورقة.. كانت تدرك أن المستقبل سيعيدهم للواجهة, وتدرك أن شطبهم من التاريخ والذاكرة أمر مستحيل جداً, وتدرك أنه لا بد من دور مستقبلي لهم في المشهد, وتحملت في سبيل ذلك الكثير من التهميش وتشويه شخصية الدولة، واتهامات من هنا ورجم من هناك..
شكراً لقطر ..لأننا لولا الجزيرة، لما استطعنا أن نعرف الواقع الحقيقي في غزة.. هي المحطة الوحيدة التي نقلت الحقيقة كما هي, وانحازت للقضية.. وفتحت منابرها لتسجيلات القسام.. ولخطابات (أبي عبيدة), ولصراخ الجرحى..لحديث الأطباء, ولمعاناة المهجرين.. والأهم أن من يقدمون نشرات الأخبار ومن يقرأون التقارير.. في هذه المحطة، لا يتلقون أوامرهم من أحد يتلقونها فقط من ضميرهم العروبي المسلم، ولا يكتبون حزنهم أو يبثون أصواتهم من أجل الأجر المدفوع, بل يعبرون عن ضمائرهم ومبادئهم كما يجب، فالصحفي في هكذا مشهد يجب أن يرمي الحياد جانبا ويكون له موقفه الخاص.. أنا أفهم الحزن في صوت ماجد عبدالهادي حين يقرأ تقريره, وأفهم غضب عبدالقادر عياض.. افهم ماذا تعني انفعالات مذيعها محمد كريشان , وألم خديجة بن قنة.
شكرا لقطر.. وأنا لا أرتبط في هذه الدولة, لا بمصلحة وظيفية.. ولا غير ذلك، ما يربطني بها أن كل نفس عروبي يستفيق في هذا العالم.. علينا دعمه والوقوف معه, العروبة هناك والإنحياز لفلسطين في الدوحة.. أغلى من الغاز والنفط أغلى من الذهب والألماس، وأجزم أن هذه الدولة الصغيرة على أطراف الجزيرة.. استطاعت أن تقدم تعريفا جديدا للثروة.. وهو ببساطة : أن تكون مع القضية.. مع العدالة ومع الحق.. وقبل كل ذلك أن تكون مع نفسك، هذه هي ثروة قطر الحقيقية.
شكرا قطر .
abdelhadi18@yahoo.com