بعد مضي شهر على المعارك التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة المحاصر أصلاً منذ عقديْن من الزمن، رأى العالم بأجمعه حجم الجرائم التي ترتكبها الماكنة العسكرية الإسرائيلية بحق المدنيين العزل بقصفهم الممنهج وقطع سبل الحياة عليهم وحرمانهم من الكهرباء والماء والغذاء والدواء، إضافة إلى قصف المستشفيات والمدارس ودور العبادة التي من المفترض أن تكون محمية ضمن قانون الحرب.
ورغم أنني لست بصدد التطرق للعالم اللاإنساني الغالب والغائب عن المشهد هذه الأيام إلا أن عدداً كبيراً من الشعوب في العالم عارضت وبشدة الانتهاكات الإسرائيلية بحق المدنيين معتبرين ذلك الظلم الواقع عليهم جريمة حرب مخالِفة للقانون الدولي والإنساني، وهنا نسأل: ما هي الماكنة القانونية وما مدى قوتها في تجريم إسرائيل وأفعالها بحق المدنيين؟
الجواب: من الناحية القانونية جميع أفعال إسرائيل مجرمة وفق القانون، أما الذين يأمرون بقتل المدنيين وينفذون جرائمهم فهم مسؤولون عنها ويجب محاسبتهم على الإبادة البشرية وجرائمهم ضد الإنسانية فضلاً عن التهجير القصري بحق المدنيين.
جميعنا يعلم أن تطبيق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والاتفاقيات والمعاهدات يعود لقواعد وعوامل سياسية ضابطة أكثر من كونها قانونية؛ فإسرائيل عدا عن أنها دولة مدللة هي أيضاً تحصد الرقم واحد في الدعم والإجماع الدولي للأسف، كما أن الالتزام بالقانون لا يطبق عليها ولن يطالها أي عقاب في ظل مجتمع دولي يكيل بمكيالين ويفرق بين الطفل العربي وباقي أطفال العالم.
وبالعودة للشق القانوني؛ فإن الجهة المختصة في ملاحقة إسرائيل وقادتها عن جرائم الحرب المرتكبة بحق الفلسطينيين هي المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي والتي دخلت حيز التنفيذ والإنشاء في العام 2002، وهي المسؤولة وصاحبة الولاية في التحقيق والمحاكمة في جرائم الحرب والإبادة وأية جرائم وانتهاكات تحصل بحق الإنسانية، إذ وقّع على ميثاق المحكمة 123 دولة وكان آخرها دولة فلسطين في العام 2015، أما إسرائيل فهي غير مصادقة على نظام روما ومعها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين والهند وعدد من الدول ذات المستوى الثاني، وهنا يحق للمدعي العام أن يمارس ولايته حال إحالة أية قضية إليه من قبل دولة عضو أو مجلس الأمن أو من تلقاء نفسه، فإذا كانت الدولة التي ينتمي إليها مرتكب الجرم أو التي تم ارتكاب الجرم على أرضها فإنه يحق للمدعي العام ممارسة صلاحياته، منها على الأقل فتح التحقيق وجمع الأدلة قبل إرسالها للدائرة التمهيدية، ولكن التقييد القانوني عليه هنا يكون سياسياً، حيث أعطت المادة 16 من النظام الأساسي للمحكمة بأن يكون لمجلس الأمن الحق له في إرجاء التحقيق لمدة اثني عشر شهراً، ولمدد مماثلة إلى ما لا نهاية، ما يعني بأن الشق السياسي هو الذي يتميز عن القانوني في عمل هذه المحكمة.
إسرائيل منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية وهي تمارس يومياً جرائم وأفعال معاقب عليها قانونياً بموجب القانون الدولي، ولكن المجتمع الدولي يحميها ولا يرغب بتطبيق القانون عليها، فالتحقيقات في الجرائم المرتكبة على قطاع غزة منذ العام 2014 مثلاً ما زالت قيد الدراسة الأولية والتحقيق، أي منذ ما يقارب العشر سنوات، ما يدل على أن الماكنة القانونية والإنسانية لغايات محاسبة إسرائيل عن جرائمها مقيدة ومعطلة للأسف.
ومن وجهة نظر الكاتب لن يتم محاسبة إسرائيل نهائياً في ظل هيمنة عدد من الدول على قرارات المجتمع الدولي.