إنَّ المتابع لما يجري في قطاع غزّة، من عدوان صهيوني غاشم وحجم التلاعب وقلب الحقائق في الإعلام الغربي وتصوير الجلاد على أنّه الضحيّة والضحيّة في مكان الجلاد، يُدرك مدى أهمية وجود إعلام عربي قادر على مخاطبة العالم الغربي؛ لدعم القضيّة الفلسطينية وبيان عدالتها، وتسويق القضايا العربية بما يترك أثراً لدى الرأي العام الغربي.
المعارك الإعلامية لا تقل أهمية عن المعارك العسكرية؛ تُستبدل فيها فوهات البنادق والمدافع، بالكاميرات والصور والقصص الإخبارية التي تحمل رسائل مؤثرة؛ تعكس الدعاية التي يودُّ المرسل إرسالها إلى المستقبل، وهذا ما نفتقده إعلامياً في عالمنا العربي، فالإعلام العربي يتقوقع على ذاته ورسالته الإعلامية تأخذ إتجاهاً واحداً، لمن يحمل نفس القضية والرسالة، لذلك تعتبر الرسائل الإعلامية العربية بلا تأثير ملموس وملحوظ على المجتمع الدولي، على الرغم من عدالة القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
في أحداث غزَّة برزت الحاجة لوجود منصات عربيّة، تخاطب المجتمع الدولي بلغات متعددة ولا تقتصر على الفضائيات والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، بل تتجاوز ذلك إلى مواقع التواصل الاجتماعي، وضرورة وجود مؤثرين يخاطبون مجتمعات العالم المتنوعة والمختلفة، استناداً لمقولة "خاطبوا الناس قدر عقولهم" وأنا أقول نحن بحاجة لمخاطبة الآخرين على قدر ثقافتهم ولغاتهم، هذه الحاجة المُلحّة تأتي لتفنيد الأكاذيب وزيف الادعاءات، التي روّجت إليها آلة الدعاية الإعلامية الصهيونية، وتبنّتها وسائل الإعلام الغربيّة، التي سقطت في مستنقع الانحياز الواضح للروايات الصهيونية، التي كانت أبرزها مجزرة المستشفى الاهلي المعمداني التي ارتكبتها قوات الاحتلال.
وعندما نتحدث عن المنصات الرقمية لا بدَّ من الإشارة إلى التقييد التي تمارسه منصات التواصل الاجتماعي، من "الفيسبوك إلى الانستغرام إلى منصة X" بسبب سياسات تلك المنصات المنحازة إلى الرواية الصهيونية، وتسعى لطمس الحقائق تحت ذرائع مختلفة، وهنا يجب علينا في العالم العربي البدء في مشروع إنشاء منصات تواصل اجتماعي عربيّة تستطيع تحقيق اختراق في المجتمعات الدولية حتى يكون لنا منصات مستقلة تدعم قضايانا العدالة نستطيع الحديث عنها بلا قيود وسياسات منحازة ولها جمهور من مختلف الاطياف والجنسيات.
في الوقت الراهن حتى نستطيع معالجة الموقف الراهن، علينا الإسراع في إنجاز مواد إعلامية مختلفة بلغات متعددة، نحاول من خلالها تغيير الصورة التي سعى الاحتلال إلى غرسها في عقول الرأي العام الغربي في محاولة لتغيير رؤيتهم على منطقق الصراع العربي الصهيوني وصورة ما يحدث في قطاع غزَّة من انتهاكات واضحة وصريحة لكل الاعراف والتقاليد والقيم الأخلاقية والإنسانية.
لقد كشفت أحداث غزة عن مأساة شعب؛ ولكنها كشفت أيضا عن الحاجة الملحة لنا لصياغة خطاب قادر على الوصول إلى مسامع الناس في المعمورة، فنحن ندرك أن الشرفاء في العالم متعاطفون مع فلسطين وقضيتها، ولكننا بحاجة إلى المزيد، فما زلنا ندور في ذات الفلك، وصياغة خطاب مضاد لما يروج له الآخر.
وجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في قمة القاهرة كان مُدركًا لأهمية مخاطبة الرأي باللغة الإنجليزية اللغة التي يفهمها الغرب، لذلك وجّه كلامه للمجتمع الدولي باللغة الإنجليزية حتى ينقل صورة ما يحصل في قطاع غزَّة من جرائم ومجازر، مُقدمًا سرداً تاريخياً للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وكيفية الخروج من أتون الحرب والنزاع عبر تطبيق قرارات الشرعية الدولية بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة حتى تنعم المنطقة والعالم بالسلام والاستقرار.
إن تجربة الأحداث الأخيرة في غزة درس جديد لنا جميعا، من المؤمنين بعدالة فلسطين وقضيتها.