لم يكن الأردن في أي وقت من الأوقات إلا سنداً لأشقائه العرب؛ فمنذ زمن بعيد وهو يدافع عن القومية العربية التي كانت أساس بناء الدولة التي حافظت على مبادئ العروبية في تشكيلها، والتي دائماً ما تكون يدها ممدودة للأشقاء على مر الأزمان، إذ لم تقصر لا مع العراق ولا شعبه، ولا سوريا وشعبها ولا اليمن وشعبه ولا ليبيا والليبيين أيضاً، وهنا لا ننكر أنها كانت وما تزال وستبقى الرئة للأشقاء الفلسطينيين.
الأردن بمكوّنه الاجتماعي المتماسك ونظامه السياسي القوي، ومبادئ عروبته، يعمل بكل ما أوتي من قوة للمحافظة على كيانه واستقرار أشقائه العرب؛ فالقضية الفلسطينية وما يطرأ عليها تشكل له تهديداً وجودياً، لكونه من أكثر الدول تضرراً لعدم حصول الفلسطينيين على حقوقهم وعلى أرضهم، ولهذا دائماً ما يطالب من خلال موقفه الثابت وعلى كافة المنابر الدولية بضروه إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإقامة دولة فلسطينية وفق حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وتكون القدس الشرقية عاصمة فلسطين.
جميعنا رأى كيف هبّ الأردن رسمياً وشعبياً لنصرة إخوتنا في فلسطين جراء الاعتداء السافر عليهم وعلى الأشقاء في قطاع غزة، من خلال المسيرات المليونية التضامنية في كافة أرجاء المملكة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، ناهيك عن عدم فرض أية قيود لمنعها إلا إذا كانت ستسبب حرجاً للدولة سواءً بالاقتراب من السفارات أو المناطق الحدودية، كما كانت الأجهزة الأمنية مساندة لهذه المسيرات من خلال التنظيم وحماية المشاركين فيها.
ورغم دفاعنا الدائم عن حرية الرأي والتعبير واحترام الدستور وما نصت عليه المادة 15 منه، إلا أنه من الواجب علينا رفض أي تعدٍّ واستغلال للتعبير عن رأينا واستنكارنا لما يحدث، خصوصاً ما رأيناه من مشاهد وسلوكيات لا تليق بمستوى الحدث والظرف قام بها نفر من المتظاهرين بالاستقواء على رجال الأمن وإشعال المفرقعات وتوجيهها نحوهم والتي تُعدّ من الجرائم السياسية في مواجهة الحكومة والتي تستلزم في الوقت ذاته عقوبات مشددة جداً (الموسوعة الجنائية ج 3 ج،ع)، بالإضافة إلى إغلاق الشوارع ولما شاهدناه من اعتداء على الممتلكات الخاصة من خلال الإضرار بأموال الغير، والمعاقب عليها قانوناً ونرفضه كأردنيين جملة وتفصيلاً.
هناك من يقول إن تلك السلوكيات هي تصرفات فردية لا تعكس الانطباع العام، وأنا أؤكد ذلك، ولكن الحدث جلل، وعلينا بالمقابل الحفاظ على وطننا من الفتن وعدم إعطاء الفرصة لأحد للتأثير على داخلنا ووحدتنا.
كلنا مع فلسطين، ولكن من الضروري تعزير جبهتنا الداخلية لأننا لسنا بعيدون عن مخططات خارجية تريد أن تجرّنا إلى ما لا يُحمد عقباه، وهذا يحتم الانتباه جيداً لما يجري حولنا سواءً على الحد الشرقي و بالقرب منا بدعم من جهات ودول عديدة وكذلك الأمر مع الحد الشمالي وما يُخطط لحدوثه، الأمر الذي يستدعي تحصين داخلنا واحترام القانون وعدم الاستقواء على الدولة وأجهزتها ؛ إذ أن الدولة مهما حدث فيها من ضعف وخروقات ستبقى ملاذاً آمناً للمجتمعات والأفراد.