تجري هذه الأيام بعثة من صندوق النقد الدولي مباحثات مع الحكومة الأردنية ممثلة بوزارة المالية والبنك المركزي، هدفها الأولي إجراء المراجعة السابعة للبرنامج الحالي، بينما الهدف الأساسي هو البدء في مفاوضات حول اتفاق جديد يغطي السنوات الأربع المقبلة.
يجب أن يتلاءم البرنامج الجديد مع الصندوق للمرحلة المقبلة مع تحديات المرحلة الحالية التي تجتاحها معطيات سياسية وأمنية لها انعكاسات خطيرة على المشهد الاقتصادي الإقليمي عامة والمحلي خاصة.
كثيرة هي الإيجابيات التي تحققت في ظل البرنامج الحالي على الصعيد الاقتصادي، خاصة في قطاعات السياحة والتصدير والإصلاح الضريبي، كلها قطاعات نمت بشكل ملفت وكانت قصص نجاح تشكل أنموذجًا اقتصاديًا رشيدًا في الإدارة الاقتصادية.
لكن، للأسف، لم يكتب لهذه القطاعات الاستمرار في النمو الإيجابي، وبدأ بعضها يتأثر سلبًا بتطورات الأحداث في المنطقة، فالسياحة تشهد حاليًا فترة جمود بعد نمو استثنائي خلال العامين الماضيين، حيث هناك هبوط حاد في تدفقات السياحة يصاحبه تراجع ملحوظ في الدخل السياحي.
وهذا الأمر مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالظروف الأمنية والعسكرية في المنطقة وحرب الإبادة التي يقودها كيان الاحتلال في غزة، لذلك فإن هذا القطاع، الذي يشكل أكثر من 13 % من الناتج المحلي الإجمالي، سيتعرض لهزة كبيرة. مما يستوجب من المعنيين في مفاوضاتهم مع الصندوق أن يكون في طليعة أولوياتهم خلال التفاوض، مع مراعاة هذا التراجع الخطير في واحد من أبرز القطاعات الاقتصادية.
حتى قطاع التصدير، الذي تعول عليه الحكومة الكثير من هذه الجوانب خاصة في جلب العملات الأجنبية وزيادة التشغيل، سيكون هو الآخر معرضًا لاحتمالية التراجع نتيجة للأعمال العسكرية في المنطقة واستمرارها لفترات طويلة، مع احتمال آخر لتوسعة حرب الإبادة في غزة، وباستثناء صادرات قطاع التعدين والأدوية، فإن غالبية قطاع التصدير معرضة هي الأخرى للهبوط، وهذا يتطلب من المعنيين التحرك نحو أسواق أكثر أمانًا وغير تقليدية، خاصة في الأسواق الأفريقية والبعض الآسيوية، لتعويض الأسواق التي من المحتمل أن تهبط صادراتنا الوطنية إليها في المرحلة المقبلة.
أما الإصلاح الضريبي الذي كان نموذجًا فعليًا للإصلاح الاقتصادي الذي تحقق على أرض الواقع بأيدي أردنية خالصة، فمن المحتمل أن يتعرض لضغوطات بسبب تراجع التحصيلات الضريبية مع الوضع الاقتصادي العام في البلاد، والجميع يعلم جيدًا أنه منذ بداية حرب الإبادة في غزة، وغالبية الأنشطة التجارية والصناعية المحلية في تراجع ملحوظ، سينعكس حتمًا على مجموع التحصيلات من شتى المصادر.
البرنامج الجديد مع الصندوق يتطلب أن يكون إطاره مختلفًا تمامًا عما كان يُناقش به المسؤولون الأردنيون في شهر حزيران الماضي، فالظروف والمؤشرات الاقتصادية قد تغيرت جملة، والنظرة المستقبلية أصبحت غير مشجعة مع استمرار أعمال حرب الإبادة في غزة، وكلها ظروف ملزمة للاقتصاد الأردني، ستدفع به نحو تحديات جديدة يجب مراعاتها خلال المفاوضات الحالية مع الصندوق للبرنامج الجديد.
الأردن في أمس الحاجة إلى هذا البرنامج مع الصندوق في المرحلة المقبلة، فحالة عدم اليقين تزداد في المشهد الاقتصادي الإقليمي، ولا شك في أن التحديات والضغوطات على الاقتصاد الوطني ستتنامى، فالأوضاع برمتها بعد السابع من تشرين الأول الماضي تختلف تمامًا عما كانت عليه قبله.