شكلت المقابلة التي اجرتها شبكة سي ان ان الامريكية، مع جلالة الملكة رانيا العبدالله قبل عدة ايام،وفي هذا الوقت بالذات، فرصة رائعة لجلاء الحقيقة، وتوضيح الكثير من التفاصيل المتعلقة بالقضية الفلسطينية منذ النكبة الاولى ومرورا بالنكسة وصولا الى الاوضاع الحالية،وتصحيح العديد من المفاهيم الخاطئة لدى شعوب وقادة الغرب والولايات المتحدة الامريكية والعالم بشكل عام،والتوقف عند مفاصل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بشكل خاص،والعربي الاسرائيلي بشكل عام.
فقد تناولت جلالتها ببراعة فريدة ومهارة متميزة،كل تلك التفاصيل والمفاصل، من خلال طرح دبلوماسي وسياسي وقانوني وانساني تفصيلي،دافعت خلاله بلباقة واسلوب مقنع،في الاجابات على الاسئلة،اسلوب يستند الى حقائق ووقائع واضحة وبائنة ،وشخصت المواقف الغربية والامريكية بدقة متناهية،واوضحت انعكاسات وارتدادات هذه المواقف ذات المعايير المزدوجة والمنحازة بالمطلق للاحتلال،على المنطقة دولا وشعوبا،الى جانب الوصف البليغ لمعاناة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ سبعة عقود ونصف العقد ،والظلم الذي يتعرض له،وتجريده من الانسانية بكل معانيها وتفاصيلها بسبب الاحتلال،وكيفية انهاء الصراع.
وتوقفت جلالتها خلال الحوار ،عند الجرائم والمجازر التي يرتكبها الاحتلال في عدوانه العسكري على قطاع غزة،والابادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني وخاصة الاطفال والنساء في القطاع،بتأييد امريكي وغربي ،ونقلت جلالتها صورة حقيقية ذات جانب انساني ،عن احزان ومعاناة الامهات الفلسطينيات ،اللواتي يفقدن اطفالهن وابنائهن وافراد اسرهن ،بسبب العدوان الاسرائيلي ،وانهن يشبهن الامهات الاخريات في مختلف انحاء العالم ،لديهن الحنان والعواطف والحزن والدموع .
ومن خلال الطرح الوافي المستفيض، المليء بالحقائق والوقائع الموضوعية والصادقة والدامغة،والحجج المدعمة والمسندة بالشواهد التاريخية والحالية،استطاعت جلالة الملكة رانيا ،تفنيد الرواية الاسرائيلية ونسفها،واعتماد الرواية الفلسطينية ،مما دعا العديد من وسائل الاعلام الرئيسية والمتنفذة الواسعة الانتشار والتأثير في الولايات المتحدة الامريكية ،الاعتراف بزيف ونزوير الرواية الاسرائيلية ،وانها ،اي وسائل الاعلام تلك، تبنت خطأ تلك الرواية ،وانها بالفعل كانت رواية مزيفة وغير صحيحة،وهذا بحد ذاته كان له اكبر الاثر في التأثير على الرأي العام الامريكي والغربي ،واحداث تغيير مهم وكسب التأييد للرواية الفلسطينية والعربية،وتحول في المواقف من الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة ،وتراجع في التأييد الدولي الاعمى لهذه الحرب .
نحن بحاجة الى هكذا خطاب اعلامي متقدم ومتطور وراقي ،بهذا المستوى من الوعي السياسي والفهم الشامل لتفاصيل ومفاصل الصراع ،الذي قدمته وفرضته ودافعت عنه جلالة الملكة رانيا بذكاء وحكمة ،واقنعت به كل من شاهده واستمع اليه،كما اننا بحاجة ماسة لمخاطبة المجتمعات الغربية بلغاتها واجبارها الى الاستماع الينا،وخاصة اللغة الانجليزية الى جانب اللغات الفرنسية والالمانية،وايصال الرسالة الصحيحة لهذه المجتمعات ،كما فعلت جلالتها،وان لا نكتفي بتوجيه رسائلنا وخطاباتنا الاعلامية لبعضنا البعض.
مقابلة جلالة الملكة رانيا العبدالله مع شبكة سي ان ان الاخيرة،على قدر كبير من الاهمية ،ويجب اعتمادها كوثيقة رئيسية في الخطابين السياسي والاعلامي اردنيا وفلسطينيا،وان تكون نموذجا ومثالا تعليميا وتدريبيا في عمل واجراء المقابلات الصحفية والاعلامية.