هل تمتلك الحكومة مقومات الاستمرار في زيادة توقعاتها نحو مزيد من النمو في الإيرادات الضريبية للعام المقبل، خاصة مع تطورات المشهد الإقليمي والدولي المتأزم، والذي لا شك فيه أنه سيلقي بظلاله القاتمة على الأوضاع الاقتصادية المحلية؟
الإيرادات الضريبية التي تنمو كل عام بحوالي 10 % قد تواجه توقفاً في هذا النمو في المرحلة المقبلة، في حال عدم اللجوء إلى إجراءات توقف التدهور المحتمل في هيكلها.
فتداعيات حرب الإبادة التي يقوم بها كيان الاحتلال الإسرائيلي في غزة بدأت تظهر انعكاساتها المباشرة على النشاط الاقتصادي في معظم القطاعات الاقتصادية والإنتاجية، فالسياحة التي كانت الحكومة تعول عليها كثيرًا خاصة بعد أن شهدت معدلات نموها ارتفاعاً بنسبة 20 % في الأشهر الأخيرة، سيكون لها النصيب الأكبر من تداعيات حرب غزة، وهذا أمر طبيعي، فعدد الزوار السياحيين سيقل عن السابق بشكل كبير، والأمور لن تتوقف عند هذا الحد، بل حتى النشاط الاقتصادي الداخلي سيتأثر أيضًا.
فالمتتبع لحركة الأسواق والمحلات التجارية وحركة المرور بشكل عام يلاحظ مدى الانخفاض في هذا النشاط مقارنة بما كان عليه قبل حرب غزة.
وإيرادات الخزينة من المحروقات ستتأثر سلبًا مع مرور الأيام. فالجميع يعلم أن هذه الإيرادات تشكل وحدها ما يقارب 20 % من مجمل إيرادات ضريبة المبيعات، وبقيمة تقترب من المليار تقريبًا. وهي مرشحة للانخفاض بصورة عامة، لأسباب عديدة غير تداعيات الحرب، أبرزها عمليات التهريب المنتشرة عبر المعابر الحدودية لمختلف أصناف المحروقات، خاصة مادة البنزين والديزل.
وهذه العمليات نمت خلال الأشهر الماضية بشكل ملحوظ، مما أثر في مجمل مبيعات المشتقات النفطية في المملكة، حيث تراجعت مبيعات البنزين بنسبة تجاوزت 7 %، في حين انخفضت مبيعات الديزل بأكثر من 12 %. ناهيك عن نمو الطلب على السيارات الكهربائية بشكل كبير في الفترة الماضية، حيث بلغ عددها أكثر من 50 ألف سيارة في السوق المحلي.
أيضًا هناك أسباب أخرى وراء تراجع مبيعات المحروقات، وهي ناتجة عن أخطاء إدارية رسمية من قبل مؤسسات ووزارات الحكومة، نتيجة لغياب التنسيق في اتخاذ القرارات، حيث انتشرت في الفترة الأخيرة منح تراخيص لشركات بهدف صناعة ديزل بديل من خلال استيراد مواد كيميائية (بودرة) تخلط وفق معادلات خاصة، لتنتج مادة تُباع من قبل هذه الشركات لبعض محطات الوقود باعتبارها بديلًا أو شبيهًا للديزل، مما أدى إلى إتلاف وتضرر المحركات، ناهيك عن الخسائر التي تكبدتها الخزينة من ضريبتها الأصلية على الديزل، إضافة إلى زيادة التوجه من قبل الكثيرين لاستخدام الكاز بدلاً من الديزل وفقدان الكثير من الإيرادات الضريبية للخزينة، وذلك كله بسبب غياب التنسيق بين الجهات المانحة للتراخيص وغياب الرقابة الفاعلة.
المشهد الحالي والمتوقع بخصوص تحصيلات الخزينة من الضرائب، خاصة ضريبة المبيعات وتحديدًا المحروقات، يتطلب من الحكومة مراجعة سريعة لبعض إجراءاتها وسياساتها في هذا المجال، بهدف وقف النزيف المحتمل في بعض تحصيلاتها الضريبية.