أتذكر أننى تحدثت كثيرا وطويلا عن تشككي في كثير من المؤسسات التي تُسمى منظمات المجتمع المدني، وفي كثير ممن يسمون انفسهم نشطاء ومؤثرين, من حيث استقلاليتهم وقدرتهم على التعبير الحر في كل المجالات, وانهم مربوطون بالتمويل والعنوان, اي مرتبطون بالمرضعة المالية التي هي بالضرورة حاضنة سياسية, وتذكر احدى الفاضلات من هذه النخبة, انها انتقدتني بشدة على موقفي هذا, حد وصفي بالمعادي لهذه المنظمات والمؤثرين، واذكر انها ناقشتني في كثير مما كتبت وقلت قي اوقات سابقة, تحديدا في مرحلة «الربيع العربي» وما بعدها, لتقول إنها حضر? لي مقابلات، ثم قرأت عدداً من تعليقاتي آنذاك، وكنت أقل الكتاب والمحللين حماساً وأكثر تشككاً فى مستقبل الربيع العربي, مقارنة بالآخرين الذين كانوا أكثر حشداً للمشاعر الثورية، ولم تخف السيدة الفاضلة علناً أمام الناس أن هذا كان أحد أسباب ضيقها مني آنذاك، إلى أن تبين لها أن مخاوفي كان لها ما يبررها, كما قالت في وقت قريب.
اليوم اعيد السؤال الدائم, اين النشطاء والمؤثرون, ممن اشبعونا لطما وصراخا وتأجيجا, في مرحلة الربيع العربي, عن ما يجري في غزة من مذابح ومجازر, خاصة واننا نعيش حرب الصورة والتأثير على الرأي العام الغربي, لماذا تلاشوا ولم نسمع لكثير منهم صوتا, وموقفا واضحا وجازما, حتى ضد الانظمة الرجعية كما كانوا يصفونها, اين تبخر النشطاء, الذين كانت تتحفنا بهم فضائيات كثيرة, بل ان اكثر من ظهر وبرز في الاونة الاخيرة, هو من تمت شيطنته ولفظه من الفضائيات, واعني باسم يوسف, الذي قدم دقائق توازي اطنانا من الساعات والبيانات والتصريح?ت, رغم انه كما قلت تشيطن, ولم يفز بجوائز عالمية كمدافع عن الحرية والسلام.
هذا سؤال مفتوح لكل الثوار على شاشات التواصل الاجتماعي, بعد ان انجز الثوار على الارض الواقعية, حالة لم نحلم بها حتى, ونجحوا في اعادة القضية الفلسطينية المركزية فعلا, الى واجهة الحدث العالمي, لا بل ان المواقف الاكثر تقدمية, ظهرت من الانظمة التي كانت تُسمى رجعية او منبطحة وفي احسن الاحوال معتدلة لغايات الادانة والتهكم, وازيد من الشعر بيتا كما يقولون, ان اكثر المنادين بالدمقرطة في بلادنا, سمعنا منهم كلاما رخوا وبائسا على الفضائيات الغربية, وانكروا حتى قرارات الشرعية الدولية التي تتحدث عن الحق الفلسطيني في المق?ومة, دون ادنى اشارة الا ان الطرف الاخر هو المحتل, الذي يقتل كل يوم بل كل ساعة الاطفال والنساء والشيوخ, حتى قبل السابع من اكتوبر العظيم.
اسأل ببساطة ودون براءة اين زعماء الفيس بوك وتويتر, ممن جلدوا مخالفيهم بابشع الاوصاف, وجلدوا كل شخص يقبل منصباً عاماً, وحولوه إلى هدف مشاع للشتيمة والتشويه، لينالوا منه مهما كانت كفاءته ورغبته فى خدمة البلد. وأصبح يمارس زعماء «فيس بوك»، و«تويتر» حق النقض الملزم على أي شخص يبرز للخدمة العامة، فتراجع كثيرون وتقدم آخرون أقل كفاءة وقدرة، طالما رضي عنهم زعماء العالم الافتراضي, اسأل مجددا الكثير من متابعيهم, هل بقي عندهم ما يستحق المتابعة, ام ان الواجب الآن هجرتهم غير مأسوف عليهم؟