يعتقد الاسرائيليون وجنرالاتهم أنهم على أعتاب تحقيق نصر على المقاومة الفلسطينية وتزداد نشوتهم بعد كل طلعة جوية تلقي بمئات الأطنان من القنابل على شعب غزة الصامد.
الساسة اليهود يتجولون على الجبهات بالزي العسكري والإعلاميون المتعاطفون مع الكيان المحتل ينقلون الرواية الصهيونية دون تحقق أو تمحيص.
الجنود الاسرائيليون يتمترسون في دباباتهم وناقلات جنودهم بانتظار ساعة الصفر لاستعادة بعض من الصورة التي رسموها لأنفسهم كجيش لا يقهر. والقادة يتطلعون لتنفيذ هجومهم البري على امل ان يتمكنوا من سحق وإبادة شعب لا يملك من حطام الدنيا الا الخوف على مستقبل الأمة وبعض مشاعر الفخر والاعتزاز.
القادة والمحللون في إسرائيل والبيت الأبيض وداوننغ ستريت والايليزيه وفي روما وبرلين وبروكسل يأملون ان تنجح اسرائيل في اجتثاث المقاومة وتمسح غزة عن الخريطة والوجود.
المؤسف أن هؤلاء يعرفون جيداً أن ما قام به شباب غزة في ٧ أكتوبر هو فعل يندرج تحت تعريف مقاومة المحتل ويدركون انه حق مشروع تقره الاديان والقوانين واللوائح والاعراف الدولية كما انهم على يقين بأن ذلك متوقع بعدما تراكم الظلم للشعب والتجاهل لحقوقه والتغاضي عن آماله وطموحاته وتطلعاته للحرية والتنمية والاستقلال.
في مثل هذه الحالة فان المقاومة والدفاع عن الارض والكرامة والمقدسات ومجابهة المحتل وتحرير الارض عمل جهادي يستند الى إيمان عميق وعقيدة قتالية ترى في الموت شهادة في سبيل الله وعملاً بطولياً فيه انتصار للحق ومناهضة للباطل وذود عن الحمى وصون للكرامة.
يعرف اليهود ومن وراءهم الغرب ان المؤمنين لا يخافون الموت بل يطلبونه وهم يرتلون قوله تعالى "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً".
فما لا يعرفه الغربيون عن المسلمين ان الجهاد فكرة وليست تنظيماً فقط وان الفكرة لا يمكن استئصالها ولا تجريد المؤمن منها حتى ولو استخدمتم كل قنابل الكون وجلبتم كل اسلحتكم وجيوشكم..
الجهاد فكرة يا سادة لا يخيفها جنزير الدبابات ولا تأبه لغزير الرصاص ولا تخشى قنابلكم الفراغية وقدرتكم على تدمير البيوت وقتل الاطفال..
المجاهدون يعلمون أنكم مرعوبون وانكم تخافون الموت بالرغم من كل ما بين أيديكم من أسلحة وما خلفكم من دعم وتأييد في عالم جرى تفريغه من القيم الانسانية ليلائم الروح الاستعمارية وشهوات التسلط والإبادة.
نعلم انكم ستواجهون الكثير من الخزي فقد تكشفت للعالم أكاذيبكم فلا احد سيقتنع بعد اليوم بادعاءكم انكم دولة ديمقراطية مضيئة في محيط عربي مستبد.
ولا أحد من جيرانكم سيصدق انكم الاقوى او يطلب ودّكم على اعتبار انكم قوة لا تقهر خصوصاً بعدما شاهد العالم كيف تفككت تنظيماتكم وتهاوت أبراجكم وحرقت دباباتكم وارتجف جنودكم بفعل كتيبة مدربة من الشباب المقاتلين ممن لا يملكون غير بنادق وسيوف توجتها قلوب مؤمنة وعزيمة تستند الى اصرار على استرداد الحق مهما غلى الثمن.
في ساعات قليلة ادرك العالم ان القلعة الآمنة كذبة وان العجرفة والادعاء لا يحصنان الظالم ولا يردعان المظلوم. لقد ظهرت للعالم الشجاعة التي يتحلى بها المقاتل الفلسطيني وهو يدافع عن أرضه ووطنه وحريته ومقدساته.
لقد ظهرت قوة الحق وزيف الباطل وتبدت عنصرية الغرب وعمق تاثير الصهيونية وحجم الحقد الذي يحمله النظام الغربي للأمة العربية والاصرار على التوحد ضد مصالحها ووحدتها وطموحاتها.
واخيرا ومهما تكن نتائج النزال الذي لا أتوقع ان تنجح القوات الغازية في تنفيذه بالشكل الذي تتمناه فإن الهدف المعلن للاجتياح الاسرائيلي لغزة لن يتحقق.
فالفكرة لا يمكن قتلها أو اسرها أو استئصالها فهي موجودة ومنتشرة ومبررات انتقالها وتطورها وتجددها اصبحت اكبر وأقوى مما كانت عليه قبل اسابيع.
لقد نجح الغزيون في تحرير العرب والفلسطينيين من الخوف وبرهنوا لهم ان العدو الاسرائيلي اجبن مما نعتقد وان صورته المكرسة بعيدة عن الواقع وان انتصاراته المزعومة اوهام جرى إنتاجها وتسويقها في زمن الجهل والمؤمرات والهيمنة.