انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة الموقف مناسبات شهادة جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

رسالة من لاجئ فلسطيني

مدار الساعة,مناسبات أردنية
مدار الساعة ـ نشر في 2023/10/23 الساعة 13:14
حجم الخط
مدار الساعة - وصلت مدار الساعة اليوم رسالة عنوانها "رسالة من لاجئ فلسطيني"..تاليا نصها:
سيدتي المذيعة:
صباح الخير..
أنا لاجئ فلسطيني، وأستمع كل صباح لإذاعتكم العتيدة، كوني أعمل سائق (تكسي ).. .ومنذ أيام وأنتم تقومون بتوحيد المحطات من أجل فتح باب التبرعات لغزة.. أرجوكم لاتذكروا أرقام التبرعات، لأن أحدهم حين تحدث على الهواء وقال إنه يتبرع بـ (٢٠٠) ألفاً، قطعت الإشارة حمراء دون وعي فقد أربكني الرقم كثيرا، وصرت أتخيله وكم أحتاج لزمن من العمل على التكسي حتى أجني ولو ربعه.
سيدتي المذيعة:
كان بودي أن أتبرع عبر مزادك الرائع، ولكنكم تحرجوني كثيرا فقد جنيت أمس من عملي على التكسي (33) دينارا، خصمت منها (20) دينارا هي الضمان اليومي لمالك التكسي.. وتبقى لي (13) ديناراً هي مصروف أسرتي.. وسؤالي المؤلم هو : من يتبرع بـ (200) ألف دينار، يا ترى كم يملك من المال؟
أنا لاجئ فلسطيني كما قلت وأعيش في المخيم، أبي جاء من فلسطين في العام (67).. وفقدنا الدار للأسف، وعمي عبدالفتاح استشهد في حصار بيروت عام ( 1982).. قالوا له حين ينتهي الحصار ستكون ابنة عمك (حليمة) بانتظارك في عمان من أجل خطبتها ولكنه لم يعد.. .وخالي سافر إلى ألمانيا للعمل هناك، لكنه هو الاخر استشهد.. .دهسته سيارة مسرعة ودفن هناك ولم نستطع إحضاره، وأهلي ظل منهم الكثير في مخيم جنين.. وحين تم اجتياحه في بداية الألفية، سقط منهم شهداء.. والبقية مازالوا أسرى في سجون الإحتلال، وأنا حاولت زيارة بعضهم لكنهم أعادوني من الجسر .
منذ 70 عاما ونحن نتبرع، دما وتشردا ودموعا.. تبرعنا لفلسطين بأحلى أولادنا، تبرعنا بالمصير والدم.. لكن الإذاعات لم تذكر قصتي، وصفقتم للأسف لمن تبرع ب (220) الف
القصة ليست مزادا ماليا، القصة لا يلثم جراحها المال.. .ولكن القصة تكمن في أن من يتحدث عن فلسطين وجرحها.. عليه أن يعرف معنى كلمة مخيم.. هل جربت يا صديقتي المذيعة أن تعيشي ولو اسبوعا واحدا في ذات المخيم الذي أعيش به.. .هل جربت معنى الصفيح والزقاق والحلم والعودة، ومعنى فاتورة الكهرباء التي تأتي على غفلة.. ومعنى أن تذهب بالولد للطبيب نتيجة التهاب حاد في اللوز وتكتشف أنك لا تملك ثمن الكشفية.
عزيزتي المذيعة..
فلسطين ليست بحاجة لدمع الاستديوهات الفاخرة، وليست بحاجة لاستعراض الأغنياء بأموالهم.. النضال لايكون بالمال، ولا بالدموع المسكوبة عبر المايكريفونات لاستدرار تعاطف المستمع، وحصد بعض اللايكات على الإنستجرام.. ..فلسطين ليست مساحة، يحاول كل من يريد الشهرة أن يستغل جرحها لأجل ذلك.. هي ليست ادعاءات صوت حزين على المايكريفونات، وليست (الهبل) الذي يمارس بدافع الحزن الكاذب المغلف بالتمثيل.. .
فلسطين توجد في زواريب المخيم، توجد في عيوني (عمتي ) وداد، التي بلغت من العمر (84) عاما، وأصيبت بالعمى التام، وما زالت تميز زيت الخليل من زيت نابلس، فلسطين توجد في زنود الأطفال الذين يدرسون في وكالة الغوث، وشاهدوا إخوانهم في غزة على الشاشات وخبأوا الإنتقام.. هؤلاء لن يطول صمتهم وسيتركون مدارس الوكالة وسيجعلون إسرائيل تدفع الثمن.. .فلسطين موجودة، في حواف الأبواب على المخيمات.. راقبيها وتعلمي يا سيدتي المذيعة.. .كيف قمنا بدس الأوراق والخشب كي لا تغدرنا ريح تشرين ويتسرب الهواء.. فلسطين موجودة أيضا في دمع خالتي (فهيمة).. التي ما زالت للان رافعة كفها تدعوا على الذين ظلموا.. .فلسطين وأنا أجزم أنك لن تفهمي ما أقصد.. موجودة في المقاومة في السلاح الذي حمله (الحمساوي).. في العبوة التي فجرها، في الجدار الذي اقتحمه.
نحن لا نريد دمع (المايكريفونات)، لا نريد استعراض العواطف.. نحن الذين صرنا وحدنا وندير معركتنا وحدنا، ونستشهد وحدنا، ونقاتل وحدنا.. ..ونسكب الزيت في قناديل الليل وحدنا، نحن الذين تخلى عنا الموقف والرمل والنخل والعرب والعالم كله صار ضدنا، فهل تجرئين يا سيدتي على فضح الموقف المتواطئ.. وعلى فضح حراب أبناء العمومة، وعلى فضح عناقيد البلح التي تخلت عنا.. .مادمت لا تجرؤين فلماذا التصفيق لرأس المال .
سيدتي المذيعة..
أحمد ياسين.. .أسس من الفقر كبرياء العرب كلهم، أسس من الأطفال الذين جاءوا لحضور درسه الديني مشهدا عالميا كسرهيبة أعتى قوة في العالم.. .أحمد ياسين أسس من العجز الكلي في جسده والذي كان يعاني منه، قفزة للفلسطيني صعد عبرها أعلى ذرى في هذا العالم وأعاد إنتاج قضيته.. بعد أن مرغ وجه أعتى قوة في العالم بالعار والرمل.. .أحمد ياسين لم يكن يملك (200) ألف دينار، ولم يكن لديه استوديوهات فاخرة.. كان يملك الإيمان والصبر والإرادة فقط.. وهذه الأرصدة لا تنفذ بالمقابل ينفذ المال.. .
سيدتي المذيعة..
إتركوا لهذا الشعب المساجد والكنائس والحارات والشوارع، كي تعبر عنه.. هذه قضيتنا نحن أبناء المخيمات، والبدو، والقرى النائية والمحافظات البعيدة.. هذه قضية المخيم ومعان والكرك والمفرق.. اتركوا لنا نحن الفقراء مساحة كي نعبر عن أنفسنا.. ويكفي أن تستفزونا بالأرقام كل صباح وبالاستعراض.. يكفي .
مدار الساعة ـ نشر في 2023/10/23 الساعة 13:14