وتتسع الخيم لمئات النازحين وقد نصبت في ساحة وتوزعت أمامها عربات تبيع المعلبات وأواني الطهي وبعض المشروبات.
تقول النجار (38 عاما) إنها قطعت مسافة 30 كيلومترا مشيا على الأقدام من شمال قطاع غزة بعد الإنذار الإسرائيلي بإخلاء مدينة غزة، وتحت القصف، حتى مع عائلتها الى جنوب القطاع في رحلة استغرقت عشر ساعات.
وتقول الأم لسبعة "جئنا منذ يوم الجمعة إلى هنا. غادرنا المنزل العاشرة صباحا ومشينا ووصلنا الثامنة مساء".
وتضيف "حاولنا الاستراحة في الطريق لكن القصف كان كثيفا، فبدأنا بالركض. كأنه يوم القيامة، لا يمكننا أن ننسى هذه التجربة".
وتقول إنها نزحت عن منزلها، وكذلك فعل نحو تسعين فردا من أقاربها يقطنون جميعا في عمارة سكنية واحدة، بعد إلقاء الجيش الإسرائيلي مناشير في شمال القطاع تطلب منهم التوجه نحو الجنوب.
لم يكن بإمكانها دفع تكلفة أجرة الباص، إذ طلب منهم السائق ألف شيكل (نحو 250 دولارا).
وتقول "قصفت إسرائيل أمامنا سيارات كانت تقل نازحين، رأينا جثثا وأشلاء ورددنا الشهادتين استعدادا للموت".
وتقاطعها ابنتها ملك وتقول "كان القصف فوق رؤوسنا طيلة الطريق. ليتنا لم نأت وبقينا في منازلنا ومتنا هناك".
أما الأم فتحاول حبس دموعها، ثم تقول "أقسم بالله العظيم لم أستحم منذ اليوم الأول للحرب".
في خيمة مجاورة تشعل سيدة من العائلة ذاتها بعض الأخشاب بين حجرين لإعداد طبق "الشكشوكة"، بينما تسخن بعض أرغفة الخبز.
وقتل 3785 شخصاً على الأقل معظمهم من المدنيين، في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، وفق وزارة الصحة التابعة لحركة حماس، منذ بدء الحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
وقتل أكثر من 1400 شخص في إسرائيل، معظمهم مدنيون قضوا في اليوم الأول من هجوم حماس بالرصاص أو طعنا أو حرقا، وفق مسؤولين إسرائيليين. وهناك 203 أسرى في أيدي حماس، وفق الجيش الإسرائيلي.
تكلفة مادية إضافية
ولا يختلف حال أم بهاء أبو جراد (37 عاما) عن باقي النازحات.
وتقول السيدة التي جلست في خيمة مع نساء أخريات إنها كانت تقطن عمارة مع "حوالى 150 شخصا تفرقوا بين رفح وخانيونس".
وتشرح لوكالة فرانس برس كيف أنها مشت كيلومترات طويلة من منزلها في بيت لاهيا حتى مخيم جباليا الواقع شمال شرق مدينة غزة. "ثم ركبنا عربة يجرّها حمار لنصل إلى مدينة غزة مقابل 30 شيكلا (نحو ثمانية دولارات)".
وتوضح أبو جراد "دفعنا 400 شيكل لسيارة لتقلنا إلى خانيونس، هذا مبلغ كبير. استغلّونا".
قبل أن تأوي إلى الخيمة، مكثت أبو جراد و27 شخصا آخرين في العراء لخمسة أيام في ساحة مقر للأونروا. "كان الجو حارا جدا في النهار وشديد البرودة في الليل".
وتشير الى علبة دواء سائل وتقول "اشتريت دواء للسعلة لابني بعد أن أصيب بالبرد"، مضيفة أن لا "بطانيات ولا فرشات" في الخيم.
كما تشير إلى إصابتها بتسلخات جلدية وحكة لعدم الاستحمام "نقف أمام الحمام في طابور مع العشرات، وقد يستغرق الأمر أكثر من ساعة حتى يصل إلينا الدور".
شاحنة أبقار
ووصلت فاتن أبو جراد (37 عاما) إلى خانيونس في شاحنة تنقل أبقارا.
وتروي الأم لسبعة أنها كانت تسير مع أشخاص آخرين على الطريق في مدينة غزة عندما حصل قصف إسرائيلي. "أخذنا نركض، مشينا مسافة كبيرة حتى التقينا بشاحنة تحمل أبقارا. توسلنا إلى السائق أن يقلنا الى الجنوب ودفعنا 400 شيكل" نحو (100 دولار).
وتتابع "تكدسنا جميعا كبارا وصغار فوق روث الأبقار ووصلنا الى هنا في حالة مزرية".
أما هناء أبو شرخ فانتقلت مع عائلتها من منطقة إلى أخرى في شمال قطاع غزة هربا من القصف ثم توجهت إلى جنوبه.
ونجحت أبو شرخ (43 عاما) في توفير عدة لترات من الماء لغسل ملابسها وملابس عائلتها. وتقول لفرانس برس ووعاء الغسيل البلاستيكي بجانبها "لم تبق لدينا ملابس نظيفة، أستخدم الماء بحذر شديد حتى لا أهدره".
في الساحة نفسها حيث الخيم، تجلس هديل النجار، الأم لثلاثة أطفال بجوار طفلها الرضيع (أربعة شهور) وزوجها المبتورة ساقه، تحت بطانية مثبتة على لوح من الخشب بعد أن فرت العائلة من مخيم جباليا.
وتحمل السيدة طفلها الآخر وعمره عام ونصف العام، وتقول "لدي طفلان رضع والثلاثة يضعون حفاضات، وعدونا أن يعطونا خيمة حين يصل دورنا".
وتشير إلى طفلتها ذات الأعوام الخمسة وتقول "تعرضنا للقصف قبل عام. ابنتي ذات الخمس سنوات لديها ضمور في الدماغ بعد أن أصيبت في قصف إسرائيلي، تتبول على نفسها، لا تنام إلا بمنوم".
فجأة يسمع صوت غارة جوية قريبة، ويرتفع الدخان في السماء، بينما يصرخ أطفال مذعورون بصوت عال.
استهدفت الغارة منزلا على بعد مئات الأمتار. وبدأ عشرات المواطنين والمسعفين يحملون قتلى ومصابين، في محاولة لنقلهم الى مستشفى قريب.