انتخابات نواب الأردن 2024 اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للاردنيين احزاب رياضة أسرار و مجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مقالات جاهات واعراس مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة كاريكاتير طقس اليوم رفوف المكتبات

الطفولة تُغتال في غزة


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

الطفولة تُغتال في غزة

مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ نشر في 2023/10/16 الساعة 02:07
ظهر في التلفاز أمس رضيع من غزة, وقد أصيب في رأسه والنزف كان غزيرا.. ولكن (الفوطة) ظلت ثابتة وصامدة بالرغم من النزف... كل أم عربية شاهدت الصورة تمنت لو أنها تحتضنك وتقوم بتغيير (الفوطة) لك... ولو كانت مرضعا حتما سيتشرف حليبها أن يسكت جوعك.
أتسمح لي أن أناديك (أبو فوطة)؟...على الأقل يا سيدي الرضيع, (الفوطة) بالرغم من سقوط السقف فوق رؤوس أهلك لكنها ظلت ثابتة, بالمقابل سقطت كل المبادئ والقيم الإنسانية سقطت وكل دعوات الحرية للعالم الأول سقطت, وكل دعاة حقوق الإنسان والرحمة تعرت وجوههم.. إلا أنت فقد حافظت على (الفوطة) كي تقول لهم: أنك جئت مصابا لكنك لست عاريا.. هم العراة يا سيدي كلهم وأنت الستر للأمة.
(أبو فوطة) هل أرضعوك؟..هل وجدت أمك, وجدت الحضن الذي تعودت عليه... هل سألوا عن هويتك, أنت أصلا لا تحمل هوية ولا تجيد النطق... وجئت مصابا تنزف, على الأقل هل وجدوا (اللهاية) الخاصة بك, هل عرفوا نوع الحليب الذي تعتاش عليه, كان ثدي أمك يا ابن دمي يغنيك عن كل شيء.. لكنك جئت من دونها, ولا نعرف مصيرها....ولا نعرف مصير والدك, ولا نعرف مصير الخزانة التي كانت فيها (الكوفلية) الخاصة بك, وأكياس (الفوط)... ولا نعرف يا ابن دمي موعد (المطعوم) الخاص بك.. فقد خبأت أمك الدفتر الخاص بالمطاعيم في أدراج غرفة النوم, ولكن كل شيء طمر مع القصف.
(أبو فوطة)... أين أنت الان؟ هل سيعرف الجراح كيف سيخيط لك تهتك الجلد في وجهك, هل سيرسلونك إلى أم رؤوم... تحضنك ساعة القصف, هل قاموا بتدوين اسمك في سجلات المصابين؟..هل ستصرح للجزيرة؟ مثل بقية الصبية؟...أنت لا تجيد (الحبو) ولا (الكلام)..,لكن دمك كان أبلغ من قصائد المتنبي, من كل البيانات العسكرية..من كل ما صدحت به الإذاعات, كان دمك أبلغ من انتصاراتنا.. من كل تاريخنا, وقد استفز دجلة واستفز بردى واستفز النيل.. لقد صرح دمك, والفوطة التي كنت ترتديها كانت رسالة للعالم الحر... أبلغ من كل قيمهم ومن كل دساتيرهم.
هل يؤلمك الجرح (يا أبو فوطة).. أنا بكيت حين شاهدتك, لم أتمالك نفسي... وبكاء الرجال وضعفهم متعب جدا, وطاف ذهني في تفاصيلك... صرت اتخيل كيف تصحو في الليل على مغص خفيف, وكيف تدهن أمك بقليل من زيت فلسطين بطنك..صرت أتخيل, كيف يعطونك القبل في الصباح وقبلات أهل غزة (حارة) بها القليل من (الشطة)....خدك يا ابن دمي كم تعرض لها وما استسلم ظل صامدا, كم تعرضت (للمناغاة) من أمك وأطلقت الضحكات.. وكم قرأت جدتك عليك سورة الفاتحة, وكم حاولوا أن يقصوا القليل من إظفرك الأيمن لأنك (تخرمش) وجهك... كنت أسرح في تفاصيلك, وأقول هل وصل بهذا العالم المجنون أن يعاقب الطفولة ويغتال الحب؟...
كم سال من دمك يا (ابو فوطة)؟..جسدك صغير, ووزنك لا يتعدى (10) كيلوغرام.. أصلا أنت لا تحمل من الدم في جسدك أكثر من كمية الحليب في زجاجة الرضاعة, ولكن لديك أنقى وأشرف وأطهر دم.. ماذا نقول عن الذين فقدوا الدم في عروقهم وفقدوا الحياء وفقدوا الخجل؟.
(ابو فوطة).. في العرف العامي يقولون: (ع راسي)... أتسمح لي أن أقول لك أن (فوطتك ع راسي).. على الأقل, هي وسام شرف ووسام تضحية ووسام رجولة وفداء... لقد هزمت (فوطتك) العالم... كانت الرد الحاسم على مبادئ الغرب، على إعلامهم.. على كل كذبهم وتدليسهم..
(فوطتك ع راسي).
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ نشر في 2023/10/16 الساعة 02:07