من الحِكمة والشجاعة الاعتراف بان الإعلام العربي لم يكن موفقاً، في المعارك والحروب التي يشنها على الامة العربية التحالف الصهيواميركي، والذي تجلّى من بين امور اخرى في حرب الابادة الجماعية التي تشنها دولة العدو الصهيوني على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بمباركة ودعم مادي وعسكري وخصوصا سياسي ودبلوماسي وإعلامي أُوروبي واميركي, وأتباعهم على النحو الذي نجده حتى في دول كانت حتى وقت قريب تُعتبر من اصدقاء العرب التقليديين مثل الهند على سبيل المثال, التي هاتف رئيس وزرائها/ناريندرا مودي، رئيس الحكومة في تل ابيب, مُعلناً تضامنه المطلق مع اسرائيل، فيما لاذ معظم الاصدقاء التقليديين (ان كان ثمة ما يمكن مواصلة وصفهم بذلك)... بالصمت.
كما بات ضروريا إعادة التفكير بالمنهج والنهج الذي يسير عليه الإعلام العربي, والذي لم يعد على درجة مقبولة من المهنية والاحتراف والجاذبية او المتابعة التي لا تأتي إلاّ بالصدقية والموضوعية, وتنكّب عناء البحث عن الحقيقة والتمتع بحرية التعبير, واعتماد الحوار وإحترام التعددية. بل خصوصا في مخاطبة الرأي العام الغربي, والتخلّي عن اساليب «الإكتفاء» بإقناع او استمالة الرأي العام المحلي.
واذا كان توماس فريدمان.. الكاتب الاميركي في نيويورك تايمز/اليهودي كما هو معروف (على الطريقة والاسلوب الذي كرّسه رئيس الدبلوماسية الاميركية/بلينكن, عندما اعلن انه يزور اسرائيل كيهودي وليس كأميركي)..قد اضاء/فريدمان بعد يومين من حدث السبت/السابع من الشهر الجاري بعد معركة طوفان الاقصى, معتمدا ومروجا للرواية الصهيونية العنصرية التي نقلها له «صديقه» ناحوم بريناع, صاحب العامود الثابت والاكثر تأثيرا في جمهور دولة العدو وساساتها ونخبها الحزبية, بل والحائز على «جائزة اسرئيل» في مجال الاعلام لعام 2007، خاصة وصفُ برنياع الذي «أذهل» فريدمان على ما قاله حرفيا, هو قول برنياع: هذا هو أسوأ يوم أستطيع تذكره من الناحية العسكرية في تاريخ اسرائيل، بما في ذلك الخطأ الفادح في يوم حرب الغفران الفظيعة».. فإن فريدمان كعادته, أدخل السمّ في العسل عندما بدأ باستعراض خريطة التحالفات في المنطقة, زاجاً ايران في المقدمة ومُعرجاً على مسار التطبيع بين السعودية واسرائيل. ثم ما لبث ان انتقل الى طرح أسئلة أكثر خبثا عندما تساءل عن «سبب شنّ حماس حرباً بدون استفزاز"؟ مُواصلا تساؤله: هل نيابة عن الفلسطينيين؟ ام نيابة عن ايران؟ ثم راح «يؤكّد» انها «نيابة عن ايران, التي تمدّها بالمال والاسلحة ولمنع التطبيع بين السعودية واسرائيل. وتحوّل الى «لعبة» تحليلات يُتقنها, كما لاحظ ويلاحظ كل من يتابع مقالاته التي كانت تلقى رواجا في المنطقة العربية. تقوم بنشرها (مدفوعة الاجر بالطبع) مطبوعات عربية عديدة, كانت تتسابق لكي يكون نشر مقالات فريدمان مُتزامنا مع نشرها في نيويورك تايمز وبعض صحف ولايات اميركية اخرى.. اذ ذهب بعيدا نحو أُوكرانيا قائلا: ان هجوم حماس سيُؤدي الى هزة ارضية اخرى في اوكرانيا. فالفوضى – اضاف فريدمان – في الكونغرس بعد الاطاحة برئيس مجلس النواب والأصوات المتصاعدة بين الجمهوريين، ولو كانت أقلية، أدّت الى توقف الدعم الاميركي على الاقل الى اوكرانيا. ثم ينهي مقالته بتساؤل أخير عن مُخرجات الوضع الحالي (في اسرائيل) مُشيرا الى انه «من المُبكر الحديث عن النتائج، لكنه يعتمد على صديق آخر، وهو فيكتور فريدمان من كلية - جيرزيل - والذي قال لفريدمان: «هذا وضع فظيع».
ماذا عن مقالة دينيس روس؟.
صاحب كتاب/المذكرات الموسوم: «السلام المفقود.. خفايا الصراع حول الشرق الأوسط» الدبلوماسي الاميركي/اليهودي والمبعوث الاميركي لبلاده للشرق الاوسط من عام 1988 - 2000 والذي عمل مع جورج بوش الأب لأربعة أعوام، ومع بيل كلينتون لثمانية أعوام (ما مجموعه 12عاماً)..كتبَ مقالة في مجلة/فورين افيرز الاميركية اول امس/السبت تحت عنوان «ما ينبغي لاسرائيل فعله». تحدث فيها بإسهاب عن تداعيات أحداث السبت قائلاً: «الهجوم الشنيع غير المُبرر الذي شنته حماس على الاسرائيليين، مُسجّلة اليوم الاكثر دموية في تاريخ اسرائيل منذ ما يفوق العقود الخمسة.. وكانت الغالبية العظمى من القتلى - أضاف روس - من القتلى الذين يزيد عددهم عن 900 شخص، أشخاصا مدنيين - استطرَدَ - قُتلوا بالرصاص في عقر دارهم أو أُحرقوا حتى الموت، عندما أُضرمت النار في منازلهم، واحتجز عددا كبيرا من الرهائن، بمن فيهم جدّات وأمهات مع أطفال صغار في عمل يتّسِم بالارهاب والغلظة المتعمدة».
فهل رأيتم أو قرأتم تزويرا وكذبا بلا كوابح كهذا يقرؤه عشرات الاف المتابعين, فيما لا يجد ما يكتبه معظم الكتاب والمحللين العرب, من يعتني او يقيم وزنا لما يكتبون. فقط لأن الجمهور لا يحفل بكتاباتهم. ناهيك ان لا أثر لـ"كلهم» في الرأي العام العالمي؟.
للحديث صلة غداً.