أخبار الأردن اقتصاديات خليجيات دوليات مغاربيات برلمانيات جامعات وفيات أحزاب وظائف للأردنيين رياضة مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الفراغ السياسي في الشرق الأوسط.. أشعل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي


م. مهند عباس حدادين
خبير ومحلل استراتيجي في السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا

الفراغ السياسي في الشرق الأوسط.. أشعل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

م. مهند عباس حدادين
م. مهند عباس حدادين
خبير ومحلل استراتيجي في السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا
مدار الساعة ـ
مدار الساعة - كتب: الخبير والمحلل الإستراتيجي المهندس مهند عباس حدادين
إن التصعيد الخطير الذي نشهده من الجانب الإسرائيلي هو نتيجة للفراغ السياسي في الشرق الأوسط الذي نتج عن إنشغال الولايات المتحدة وأوروبا في الحرب الروسية - الأوكرانية, والتركيز على دعم حليفتهم أوكرانيا, برمي كافة ثقلهم السياسي والعسكري والإقتصادي , وقد تزامن ذلك بسخونة الموقف في شرق آسيا وفي الأخص في الجزيرة التايوانية بين الصين الحليفة الأقوى لروسيا ضد الولايات المتحدة , كل ذلك ترك فراغاً سياسياً وعسكرياً في منطقة الشرق الأوسط من قبل الولايات المتحدة وأوروبا وقد ذكرت ذلك في مقالة سابقة لي مطلع هذا العام تحت عنوان : "الفراغ السياسي في الشرق الأوسط كيف أثر على القضية الفلسطينية ".
فهذا الفراغ السياسي في الشرق الأوسط أدى إلى الإنعكاس سلباً على مصالح الولايات المتحدة, فما رأيناه من تقارب صيني - عربي , وتقارب سعودي - إيراني وتمدد الأذرع الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط , وفقدان السيطرة على قرارات النفط العالمية من خلال أوبيك بلس والذي أضر بالإقتصاد الأمريكي بعدم السيطرة على التضخم وغلاء المعيشة على المواطن في الغرب, وتمدد مشروع الطريق والحزام الصيني, وفشل العقوبات الإقتصادية على روسيا, إضافة إلى فشل الهجوم الأوكراني المعاكس الذي كان الغرب يعول عليه لإسترداد المقاطعات الأوكرانية التي ضمتها روسيا إليها , وكذلك التقارب الأوروبي الصيني من الواجهه الخلفية وخصوصاً من قبل ألمانيا وفرنسا , كل ذلك وضع المخططين الإستراتيجيين السياسيين في الولايات المتحدة في موقف لا يحسدون عليه , ومما زاد الأمر سوءاً المشاكل الإقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة من إرتفاع في المديونية والتضخم المرتفع وتشكل أقطاب جديدة تسرب إليها حلفاء الولايات المتحدة القديمين الذين كانت تعول عليهم في دعم إقتصادها في السابق والخوف على مستقبل الدولار.
لذلك كان القرار من الولايات المتحدة بأن تعود إقتصادياً إلى منطقة الشرق الأوسط من جديد لفرض هيمنتها لمسك زمام العالم إقتصادياً من خلال دعم إقتصادها بشكل عام , ولتمكين الحزب الحاكم الديمقراطي بقيادة الرئيس الحالي بايدن من تسجيل إنجازات قبل الإنتخابات الرئاسية 2024 بإنقاذ الإقتصاد الأمريكي من جديد بشكل خاص.
لكن قرار الولايات المتحدة هذا كان خاطئاً لأنها تجاهلت عبر السنتين الماضيتين الحل السياسي قبل الحل الإقتصادي للمنطقة , فالحل السياسي الذي دق ناقوص الخطر له لحل القضية الفلسطينية جوهر الصراعات في منطقة الشرق الأوسط جلالة الملك عبدالله الثاني منذ إستلام الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة, في ظل التصعيد والتضييق الذي تقوم به إسرائيل وتمارسه في الداخل على الفلسطينيين لتغيير الواقع على الأرض الزماني والمكاني والتوسع ببناء المستوطنات والتهجير القسري وهدم منازل الفلسطينيين ,والإقتحامات المتكررة للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.
إن ما لعبته الأردن في السابق من دور كبير في التمسك بحل الدولتين العادل والشامل بقيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية, والإحتفاظ بالوصايا الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية كان الخيار الإستراتيجي للأردن وللوطن العربي لإحلال السلام في المنطقة, والذي سيعيد التوازن إلى منطقة الشرق الأوسط كونها الموقع الذي يتوسط العالم القديم بين القارات الثلاثة, فوقوف الأردن كالصخرة المنيعة في الحفاظ على الحقوق الفلسطينية وإفشال ما كانت تخطط له إسرائيل في السابق في فترة رئاسة الرئيس الأمريكي السابق ترامب, والدبلوماسية المحترفة لجلالة الملك في طرح ملف القضية الفلسطسينية في جميع زياراته السابقة على الرئيس الأمريكي ومقابلته لأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب, وآخرها ما تحدث به جلالة الملك من خلال خطابه التاريخي في إجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة 78.
إن تجاهل الغرب وإسرائيل للحل السياسي للقضية للفلسطينية ومحاولتهم الإلتفاف على هذه القضية, وتسييس الإعلام الغربي بأن ما تحتاجه منطقة الشرق الأوسط لحل مشاكلها هو تطبيع إقتصادي وخصوصاً عندما أدركت الولايات المتحدة أن السعودية أصبحت الرقم الصعب في العالم, فهي المتحكمة بنمو الإقتصاد العالمي من خلال سيطرتها على أسعار النفط العالمية, وكذلك ثقلها السياسي في منطقة الخليج بعد التقارب الصيني , والتقارب الإيراني, وإنضمامها الأخير لمجموعة البريكس ,كل ذلك سيجعل من الولايات المتحدة تراجع سياساتها من جديد لنسج خيوطاً أقوى من السابق مع حلفائها القديمين وخصوصاً السعودية لحساسية الموقف العالمي الذي هو على مفترق طرق لا عودة عنه.
لكن الصمت الغربي على حل القضية الفلسطينية في ظل تصاعد الإنتهاكات والممارسات الخطيرة التي كانت تقوم بها إسرائيل في فلسطين وكان آخرها خلال حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة حين تجاهل الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين,وتحدى العالم والقرارات الصادرة عنه على مدار سبعة عقود ونصف, وكذلك نسف جميع إتفاقيات السلام السابقة, كل ذلك أدى إلى وقوع ما لا يحمد عقباه وتسارعت الأمور خارج أي دبلوماسية وضاق الأفق السياسي الذي لا تؤمن به إسرائيل , فقط أعلنت إسرائيل الحرب على الفلسطينيين العزل بآلتها العسكرية المتطورة وليس هذا فحسب بل قام الغرب بالوقوف العسكري مع إسرائيل بإرسال حاملات الطائرات إلى المنطقة لخلق مزيد من التوتر فيها, للقضاء على الفلسطينيين ودفن القضية الفلسطينية متجاهلين الأعراف والقررات الدولية والمبادىء الإنسانية التي كانوا يتغنوا بها .
فالتصعيد العسكري الغير مبرر سيقود المنطقة برمتها إلى المجهول, فنقص الخبرة السياسية والدبلوماسية لدى الحزب الديمقراطي الأمريكي الحاكم بقيادة بايدن ومحاولته تسجيل مواقف تدعم إنتخاباته القادمة, إضافة إلى إفتقار الحكومة الإسرائيلية إلى أي دبلوماسية ولو في حدها الأدنى وخصوصاً في تفكيرها بتصفية القضية الفلسطينية , سيفجر بركاناً لا يمكن السيطرة عليه في منطقة الشرق الأوسط مستقبلاً , فالحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة الحالية هي الآن بأمس الحاجة إلى السلام قبل أي وقت مضى , فهي ضعيفة ومعزولة في الداخل والخارج, ولا تمتلك الحنكة السياسية الكاملة ولا تزال تؤمن بالقوة والهيمنة كأساس لإخضاع من تتعامل معهم, كل ذلك لن يجعلها تشعر بالأمن والإمان في الفترة القادمة ولن يكون هناك تطبيعاً مع الدول العربية وسيؤدي بها إلى مزيد من العزلة .
إن الوقت الآن لا زال سانحاً لنزع فتيل هذه الحرب التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين بشكل عام وعلى قطاع غزة بشكل خاص, حيث يجب إيجاد الأفق السياسي وزيادة مساحته إلى أبعد مدى, بداية بوقف الحرب الهمجية هذه, والإنتقال لمرحلة إنتقالية للتهدئة وحسن النية بتبادل الأسرى بين الطرفين وإطلاق أسرى جميع الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية, والسير بخطى متسارعة لحل القضية الفلسطينية برعاية الدول دائمة العضوية في الأمم المتحدة, لتقوم دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية , لتنعم المنطقة بالسلام العادل الشامل والإزدهار الإقتصادي المنشود .
الخبير والمحلل الإستراتيجي المهندس مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com
مدار الساعة ـ