بعد زلزال غزة، ستكون الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، صحيح، الأردن ليس طرفا في الحرب لكنه يتأثر بها، والأهم بالنسبة لنا مسألتان: وقف التصعيد الاسرائيلي، وتقديم كل ما يمكن من دعم سياسي وإنساني للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، ثم حماية بلدنا من أية تطورات تهدد أمننا الوطني، لا سيما إذا توسعت دائرة الصراع، أو انتقلت «الشرارة « إلى الضفة الغربية، وأصبحنا أمام مواجهة تستدعي استخدام كل ما لدينا من طاقات، للرد عليها.
كل ما يمكن أن نتصوره من سيناريوهات وارد، قد لا نملك، الآن، الإجابة على كثير من الأسئلة التي فجرتها عملية «طوفان الأقصى «وتداعياتها، وقد تكون القوى الدولية غير مستعدة لسماع أي رواية أخرى غير الرواية الإسرائيلية، وربما يبدو الأردن وحيدا في الميدان السياسي، بسبب غياب العمق العربي (باستثناء مصر )، والمطلوب منه أكبر من امكانياته، لكن كل هذا لا يمنع الدبلوماسية الأردنية من التحرك وبسرعة لتطويق الحريق، ومن المتوقع أن نشهد، خلال الأيام القادمة، زخما سياسيا أردنيا معلنا، على اعلى المستويات، باتجاهات متعددة، أبرزها مراكز صناعة القرار في الغرب.
تؤكد مصادر اردنية موثوقة أن خيارات الأردن للدفاع عن مصالحه واستقراره ستكون مفتوحة، ولن تتوقف أمام أي مصدات، سواء كانت مواقف سياسية ثابتة، أو تحالفات قائمة، أو خطوطا حمراء كان غير ممكن تجاوزها في الماضي، تشير المصادر، أيضا، إلى أن قرارات تم اتخاذها لفتح النقاش الوطني حول ما حدث بين كافة الإدارات العامة، والنخب الوطنية، وأن الحفاظ على الجبهة الداخلية، وضبط إيقاع كل ما يصدر من ردود على بوصلة المصلحة الوطنية سيكون أولوية المرحلة القادمة.
ما يخشاه الأردن يتعلق بمسألتين، الأولى: انتقال الحرب إلى الضفة الغربية المحتلة، ثم تكرار فكرة الترانسفير التي أعلنتها إسرائيل (أو دعت إليها على الأقل ) المواطنين في غزة باتجاه سيناء، مايعني أن تل أبيب، وهي تبحث عن انتصارات لاستعادة كرامتها، تفكر بعمليات خارج غزة إذا توسعت جغرافيا الحرب والأطراف المشاركة فيها، المسألة الثانية : اقحام أو دخول إيران ( أو أذرعها) للحرب، وبالتالي ستكون حدودنا مع سوريا أمام جيش من المليشيات المدربة والجاهزة، وعندها يمكن أن نتصور حجم الخطر الذي يهدد بلدنا.
حين دعوت، في هذه الزاوية، إلى عقلنة النقاش العام، وإدارة المشاعر الوطنية الجياشة تجاه الانتصار الذي سجلته غزة، كنت أتمنى أن نستعيد خبرتنا التاريخية مع أزمات وحروب جربنا فيها « كارثة» الاحتكام للمشاعر، أو غياب الرواية الرسمية، أو ترك الفراغ للشارع لكي يملأه، بدل التفكير بعقل سياسي بارد، يضع أولوياتنا لمواجهة الخطر نصب عينيه، ويتحرك بأدوات كفؤة لإدارة المرحلة، هذا ما نحتاجه اليوم أمام حرب معلنة لا يمكن مواجهتها إلا بخيارات سياسية مفتوحة على كل الاحتمالات، تتولى صناعتها الدولة بكافة إداراتها، وجبهة داخلية موحدة ومتماسكة، تقودها نخب عاقلة، لا حسابات لها إلا مصلحة الأردن، والدفاع عن وجوده وحدوده أيضا.
لا يوجد أمام الأردن ملف اهم من القضية الفلسطينية، ولا يوجد أردني لم يبتهج بما فعله أهلنا في غزة، وأي خطر يهدد الفلسطينيين يهددنا بالضرورة، لكن في المقابل، لدينا (الأردن ) الذي يجب أن نحافظ عليه، ولا يجوز أن نتعامل معه بمنطق « المزاودة «، نحن الأردنيين نعرف تضحياتنا ومواقفنا في الدفاع عن فلسطين وقضايا أمتنا، ونعرف أننا أصبحنا «وحدنا « في عالم عربي سقطت حواضره، وانحرفت اتجاهات بوصلته، وبالتالي لابد أن نفكر أين نضع اقدامنا في المرحلة القادمة، وأن نتوافق على أفضل الخيارات التي تجنبنا نيران الحرائق التي اشتعلت حولنا، وتصب في مصالح جهات لا تضمر لنا خيرا.