ماذا لو أن شعب الكويت جلس في منزله الان، وتمترس خلف شاشات التلفاز...وتنعم بتناول (المندي والمكبوس والمطبق) ؟..ماذا لو أن شعب الكويت اتخذ موقفا مغايرا وقرر..أن الأمر في غزة لا يعنيه، وأكمل حياته في المقاهي والمولات...في الشوارع الواسعة.
ماذا لو أنهم قرروا السفر الان، أو قرروا الذهاب للبر....من أجل (القنص)...هؤلاء وأقصد - شعب الكويت - لم يقم النفط بتذويب أنفاسهم القومية والإسلامية أبدا، بل زينوا عاصمتهم بأعلام فلسطين...وهؤلاء لم يعودوا لجرحهم زمن الاجتياح ويفتحوه،بل لثموا الجراح كلها ونهضوا من جديد، وهؤلاء لم يطلوا على عالمهم العربي بفوقية..بل قدموا أنفسهم في خدمة القضية وخدمة العروبة...وهؤلاء منذ يومين وهم يجوبون شوارع عاصمتهم..ويحتفلون بالنصر، ويرسلون لغزة محبتهم...ماذا يريد الفلسطيني غير إحياء النفس العروبي والإسلامي من جديد ماذا يريد أكثر من ذلك؟
شكرا للناس هناك، وشكرا للتراب الكويتي الحر، وشكرا للبحر..شكرا لمن احتضنوا ناجي العلي وبدر شاكر السياب وأحمد مطر، شكرا لمن ضموا النضال الفلسطيني كله، لمن ولدت فتح على أرضهم..لمن أتوا باليسار الفلسطيني والعربي ووفروا له الأمن والخبز والقلم والمنبر...لمن فتحوا مؤسساتهم ودولتهم وبيوتهم لكل مفكر ولكل من طارده القمع العربي، ولكل من ضاقت به السبل...هؤلاء لايقومون بتقديم مواقفهم المشرفة في إطار الترف..بل تاريخهم في احتضان القضية وحماية المناضلين والمتنورين العرب يجيز لهم أن يكونوا طليعة الأمة في الموقف والرجولة والشرف.
أتابع صحافتهم وتدويناتهم، أتابع حركتهم في الشارع، تبرعاتهم..أتابع تطابق الموقف السياسي والشعبي، أتابع قوانينهم التي جرمت التعامل مع الكيان الصهيوني، أتابع الصبايا والشباب..وذاك العجوز الذي سالت دمعة من محجر عينه وهو يتحدث عن الانتصار وعن تراب غزة وعن زنود شبابها وعن العروبة التي استردها في وجهه وقلبه وروحه.
البوصلة الان في الكتابة والحب والدمع والنضال يجب أن تكون موجهة لغزة فقط، ولكنها لدي لابد أن تنعطف قليلا لذاك الشعب الساكن على أطراف الخليج, لابد أن نخبرهم بأننا نتابع حركتهم... وبأننا نعرف تفاصيل أحاديث شبابهم، وبأننا ندرك جيدا..كيف تفيق الأمهات على الخليج في الهزيع الأخير من الليل وترفع الأكف الضارعات والدعاء لفلسطين يصل..حتما يصل، لابد أن نخبرهم بأن حرارة دمهم تصلنا، وبأن انحيازهم للعرب قد وصل أوجه...وبأن محاريب المساجد هي الأخرى نطقت بالدعاء لفلسطين.
في الكويت علموا الجيل الجديد أن الانتماء يكون للأرض والدين، علموه كيف يكون النفط والمال في خدمته لا أن يكون هو أسير النفط...في الكويت أنتجوا شبابا مثل النخل مهما زرعته معوجا إلا أنه يصعد للسماء مستقيما، ولم يزينوا عاصمتهم بالأنوار والحفلات..بل زينوها بالأنفاس القومية....وتركوا للناس أن تقرر، وذات يوم حين ينتصر الحق..حين تصعد فلسطين قمة هذه الدنيا وحين ينطق دم الشهيد، وحين يرتفع العلم على الأقصى...وتعانق غزة الجليل، ذات يوم سيكتب التاريخ عن شعب الكويت وأرض الكويت وبحر الكويت...أنهم جميعا كانوا أعوانا للحق وأنهم أول العرب..وأول من لبى النداء، وأنهم لم يتراجعوا...ولم يخافوا...
هل تحدثت عن الخوف..تلك دولة على الخارطة تبدو صغيرة، لكن مواقفهم أكبر من قارة...
كبير هو شعب الكويت وستبقى العملقة ديدنه.