أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات برلمانيات وفيات جامعات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مناسبات جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الدين على طاولة النقاش


سلامة الدرعاوي

الدين على طاولة النقاش

مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ
لا يهم إذا كانت الحكومة قد أزاحت من حساباتها المالية دَين الضمان الاجتماعي الذي يتجاوز 7 مليارات دينار لتخفض النسبة العامة للدين الإجمالي إلى 87 % من الناتج المحلي الإجمالي، فهذا مجرد إجراء محاسبي لا أكثر، ولا يعني شيئاً في عمليات الدفع والالتزام.
لأن الخزينة هي التي تدفع أقساط وفوائد الدين للمجموع الكلي للدين العام وهو أكثر من 39.6 مليار دينار أو ما نسبته 114 % من الناتج المحلي الإجمالي، والأمر لا يعدو كونه إجراءً حكوميًا بحتًا أمام المؤسسات الدولية للحصول على مساعدات مالية جديدة لتلبية نفقاتها المتزايدة. هنا يتطلب الأمر من الحكومة- وهي الآن بصدد إعداد مشروع قانون موازنة لعام 2024 - أن تترجم عمليات الإصلاح المالي إلى إصلاح حقيقي في هيكل الدين العام، وأن تبدأ العملية بإيقاف موجات النمو المتصاعدة في الدين العام وخدمته لفترة واضحة، ثم العودة إلى منحى الهبوط في حال تبنت الحكومة عملية إصلاح حقيقية للموازنة.
قد يكون الأمر مستحيلاً في ظل أسلوب الإدارة المتبع للاقتصاد الوطني، والذي يركز حاليًا على عمليات الإصلاح الضريبي الذي ما زال يعتقد أنه بالإمكان أن تلبي احتياجات الخزينة التمويلية المختلفة، وأن هناك مجالات واسعة لزيادة تحصيلاتها وإيراداتها وتوسيع قاعدة شمولها. قد يكون هذا الأمر صحيحًا من النظرة الأولى، فالإصلاح الضريبي يسير بشكل صحيح، ويحقق الهدف بالشكل المطلوب وبشهادة المؤسسات الدولية، ولا نبالغ إذا قلنا إن ما حدث بالضريبة في السنوات الثلاث الأخيرة كان هو الدافع الرئيسي لاستمرارية العمل مع الصندوق الذي أشاد بجهود الضريبة والبنك المركزي في تحقيق الاستقرار الاقتصادي.
لكن في المحصلة، ذهبت عوائد الإصلاح الضريبي أدراج الرياح، ولم تستثمر عوائدها المالية الإضافية - خارج تقديرات الموازنة - لمشاريع رأسمالية تدعم النمو الاقتصادي، بل ذهبت لتمويل نفقات جارية فقط. وهذا الأمر انتبهت إليه مؤخرًا المؤسسات الدولية، وعلى رأسها مؤسسات التصنيف الائتماني مثل وكالة موديز التي أجرت مراجعة قبل أيام في الأردن، وأشارت بشكل واضح إلى مسألة الدين الإجمالي وخدمته، وأنها وصلت إلى مستويات عالية يتطلب من الجهاز الرسمي للدولة، وتحديدًا من فريقها الاقتصادي الوزاري، الانتباه لهذا النمو غير الآمن للدين الإجمالي. صحيح أن الحكومة قامت بالوفاء بكافة التزاماتها الداخلية والخارجية في السنوات الأخيرة، ولم تتعثر أبدًا أمام الدائنين كما حدث مع بعض دول الجوار وخصوصًا في فترة جائحة كورونا، وهذا يُسجل للحكومة، بالإضافة إلى عوامل أخرى، أبرزها أن مجتمع المانحين والمؤسسات الدولية، وعلى رأسهم صندوق النقد الدولي، كانوا من أشد الداعمين للاقتصاد الأردني، وسمحوا له نتيجة لعوامل سياسية وأمنية وإضافةً لوجود برنامج عمل هيكلي مع صندوق النقد الدولي بالحصول على تمويل إضافي ساهم في تعزيز قدرة الخزينة على سداد التزاماتها.
ولا نبالغ إذا قلنا إن الإنجاز الذي تحقق في الضريبة أعطى بريق أمل أن الإصلاح ممكن أن يكون شاملًا في غالبية المجالات، وليس محصورًا بالضريبة فقط كما هو الحال الآن للأسف. الدين هو قضية محورية، ولا يمكن أن يستمر على هذا النحو، وعلى المعنيين أن ينتبهوا أن هذا يشكل تحديًا خطيرًا أمام استقرار الاقتصاد في المرحلة المقبلة في حال عدم التصدي له، وأن يكون هناك إستراتيجية واضحة لإدارة الدين تكون بإجماع من مؤسسات الدولة الدستورية، وتفهم من كافة المعنيين في كيفية تحديد سقف لنموه واستغلال القروض في عمليات الاستثمار الرأسمالي الحقيقي بدلا من تمويل النفقات التشغيلية.
مدار الساعة (الغد الأردنية) ـ