بغض النظر عن النتائج العسكرية التي ستنتهي إليها معركة "طوفان الأقصى" فإن ّثمة نتائج سياسية قد تمخضت عنها بالفعل، ولعلّ أهمها:
أولاً: فلسطينياً أثبتت هذه المعركة قدرة الشعب الفلسطيني على المقاومة بل والانتصار متجاوزاً كافة ما يقف في طريقه من عقبات اقتصادية (ظروف فقر وبطالة وحصار اقتصادي)، وعسكرية (إمكانات عسكرية محدودة بالمقارنة مع القدرات المهولّة للجانب الإسرائيلي)، وسياسية (وقوف القوى النافذة في العالم وبالذات الغربي منه إلى جانب إسرائيل). إنّ هذه المعركة أعادت الثقة إلى الفلسطيني بنفسه وبحقه وبقدرته على المقاومة الفاعلة المؤدية إلى نيل حقوقه المشروعة.ثانياً: عربياً أثبتت هذه المعركة أن العرب لا يمكنهم أن يتناسوا أن القضية الفلسطينية هي القضية العربية "المركزية"، وأنّ لجوء بعض دولهم إلى "التطبيع" مع إسرائيل لن يحل المشكلة، وسوف تظل الأنظمة الرسمية العربية موضع شك وريبة الجماهير العربية إذا لم تقف بصلابة وقوة مع الشعب الفلسطيني في دفاعه المشروع عن حقه في تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني. إنّ من الواضح تماماً أن الشعوب العربية هي مع المقاومة الفلسطينية (أياً كان شكلها ومرجعيتها الفكرية)، ولذا فإنّ الأنظمة العربية ليست مخيّرة في مواقفها بل يجب عليها أن تنسجم مع آمال شعوبها وتطلعاتها وبغض النظر عن الاعتبارات السياسية، والتحالفات الدولية التي كانت دائماً بالضد من حقوق الأمة وطموحاتها. ثالثاً: إسرائيلياً فضحت هذه المعركة مقولة دولة إسرائيل "القوية"، وجيشها "الذي لا يقهر"، وأجهزتها الاستخباراتية "الذكية" فقد استطاع بضع مئات من المقاومين الشجعان المدرَّبين جيداً اختراق الحواجز الرهيبة والسيطرة على مستوطنات "غلاف غزة" وأسر عدد غير قليل من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين في صورة هزت المجتمع الإسرائيلي بعنف قد تكون بعض تبعاته سقوط الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، وتشكيل لجان تحقيق "لفهم" ما جرى، وتراجُع الهجرة إلى إسرائيل التي لا تستطيع توفير الأمن لمواطنيها، وعودة الروح إلى بعض القوى الإسرائيلية المعتدلة التي تريد التوصل إلى حل عقلاني ما مع الفلسطينيين كحركة "ميرتس" وغيرها من تيارات اليسار الإسرائيلي.رابعاً: دولياً أعادت هذه المعركة طرح القضية الفلسطينية بقوة لكي تذكّر العالم بأن الشعب الفلسطيني ما زال حياً بل وقادراً على الدفاع عن حقوقه بقوة وصلابة، وأنّ العالم إذا أراد أن يريح نفسه من "وجع" القضية الفلسطينية وتداعياتها فلا بدّ له من أن يكون منصفاً بحيث يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني ويمكّنه من تقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية حسب قرارات الشرعية الدولية (دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية). إنّ هذه المعركة تذكر العالم الغربي على وجه الخصوص بأنه لا يمكنه المُضي قُدماً في دعم إسرائيل بغير حدود وتجاهل "مظلمة" الشعب الفلسطيني التاريخية التي تمثلت في تشريده عن أرضه وحرمانه من أبسط حقوقه. إنّ الغرب وبالذات الولايات المتحدة لا يمكنه أن يتعامى دائماً ويرى "بعين واحدة" هي العين التي تنتصر لإسرائيل، وتتفهم "روايتها" في حين تنكر "الحق" الفلسطيني في موقف يتسم "بازدواجية" مقززة، و"نفاق" مكشوف. إنّ الغرب إذا أراد منطقة هادئة حقاً لكي يتفرغ لمشكلاته العالمية الأخرى، كصراعه مع الصين ومع روسيا وغيرهما فلا بدّ له من التوقف "قليلاً" عند القضية الفلسطينية، والوقوف مع "حل" منطقي ومعقول يُنصف الفلسطينيين، ويمكّنهم من العيش بكرامة فوق أرضهم بدون احتلال مدجّج بالسلاح، ومستوطنين يسرقون الأرض جهاراً نهاراً، وتنكر حتى لمجرد وجود الشعب الفلسطيني كما قالت رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير ذات يوم، وكما أشارت إليه خارطة رئيس وزراء إسرائيل الحالي نتنياهو التي أبرزها للعالم في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
مدار الساعة ـ