أنت أستاذ، أو محاضر، في إحدى الجامعات الخاصة؟ توقع، إذاً، أن يصلك في أي لحظة كتاب إنهاء عقد العمل، أو قرار تخفيض الراتب، لا يوجد، بالطبع، أي مبرر أو سبب، حتى لو كنت ذا خبرة طويلة، أو لديك عشرات البحوث المنشورة بأهم المجلات العالمية، أو مخلصا لطلابك ومهنة التعليم، كل ذلك وغيره لن يشفع لك، إذا لم يكن لك «ظهر» لدى أصحاب الشركة التجارية، أقصد الجامعة، أو حظوة لدى حوزات النفوذ.
لا يوجد جهة يمكن أن تذهب إليها لتشتكي على الجامعة، أو تطالبها لكي تتدخل، وزارة التعليم العالي ستقول لك «أعضاء هيئة التدريس والتعيينات ليست من مهمة الوزارة»، ربما تنصحك أن تذهب لهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي، لكن ستصدمك الإجابة : «مهمتنا التأكد من أن أعداد الأساتذة تتناسب مع أعداد الطلبة، ومع التخصصات الدراسية»، قد يخطر في بالك أنك مصنف بمهنة «عامل»، فتستغني عن لقب أستاذ، وتلجأ إلى وزارة العمل، عندئذ سيقال لك على الفور : «الوزارة لا تراقب على الجامعات الخاصة».
صدّق أو لا تُصدّق، رواتب الأساتذة في بعض الجامعات الخاصة أقل من 12 رواتب زملائهم في الجامعات الحكومية، بعض المدرسين لا تتجاوز رواتبهم الحد الأدنى للأجور، وعلى نظام الساعة، بعضهم غير خاضع لمؤسسة الضمان الاجتماعي، ولا للتأمين الصحي، بعضهم، أيضا، يُوقّع على عقد إذعان ( آسف لاستخدام الكلمة) بشروط مجحفة، لا يراقبها أحد، وقد يُجدَّد كل سنة عند بداية العام الدراسي، وإذا حدث ولم يُجدد، فلن يجد الأستاذ فرصة عمل لأن الجامعات غالبا ما تكون ملأت شواغرها، تصور أنه في حال انتقال أستاذ من جامعة خاصة لأخرى رسمية، يتم احتساب سنة واحدة خبرة عن كل عامين، ولا يتم احتساب الرتبة الأكاديمية نفسها.
في بلدنا 18 جامعة خاصة، تضم نحو 3500 عضو هيئة تدريس، وأكثر من 100,000 طالب، صحيح بعض هذه الجامعات تستحق الاحترام والتقدير، وتحظى بمراتب متقدمة على صعيد الأداء الأكاديمي، والالتزام بمعايير الحوكمة، كما يحظى العاملون فيها بأفضل الامتيازات، لكن المفارقة أن ثمة جامعات خاصة أخرى تفتقد، تماما، لأبسط الضوابط التعليمية والإدارية، وتتعامل مع التعليم بمنطق البزنس، ومع العاملين فيها بمنطق « السُّخرة»، ثم أنه لا علاقة لها بالمجتمع، وكأنها ليست جزءا منه، وليس مطلوبا منها أن تنفتح عليه، وتساهم في خدمته.
لا أعرف كم عدد الأساتذة الذين تم إنهاء عقودهم هذا العام في جامعاتنا الخاصة، ولا عدد الجامعات التي خفضّت رواتب العاملين فيها (إحداها خفضت 25%)، ما أعرفه أن الظاهرة تتكرر مع بداية كل عام دراسي، وأن بعضهم يتحول إلى عاطل عن العمل، أو يضطر لممارسة مهنة أخرى، أو يشق طريقه للهجرة، و لأن معظم هؤلاء كفاءات علمية، ولا يوجد نقابة تدافع عن حقوقهم، فإن فتح ملف المظلومية التي يعانون منها يبدو واجبا على كل من يعنيه الأمر، ليس فقط انتصارا لحقوقهم، واحتراما لدورهم وإنجازهم، وإنما حفاظا على سمعة جامعاتنا وأدائها، وعلى مستقبل التعليم العالي في بلدنا.
لا تتوقف المسألة عند حال الأساتذة والعاملين في الجامعات الخاصة، وإنما تتجاوزه إلى الطلاب، أيضا، هل تذكرون قصة الطالب الذي أحرق نفسه (أيلول 2020 ) بعد أن رفضت رئاسة الجامعة مقابلته، وتأجيل المستحقات المالية المترتبة عليه؟ ربما شكّلت هذه الواقعة، وغيرها أيضا، صورة رمزية لسطوة رأس المال حين دخل مجالنا التعليمي، ومجالاتنا الأخرى أيضا، إن أخشى ما أخشاه ألاّ يجد هذا الواقع من يواجهه بحلول عميقة، من خلال مؤسسات رسمية تمتلك من الصلاحيات ما يُمكّنها من مراقبته ومتابعته، أو اقتحام أسوار هذه الجامعات، بقوة القانون وحزمه، لتجاوزه وتغييره.