كان بودي أن أحضر حفلة (عمرو ذياب), أنا وخالد كلالدة.. ماذا يمنع؟ حتما لا شيء.. تخيلوا أنا وخالد نجلس بين أرتال من المراهقين, ونقوم (بالنطنطة).. على أغنية: (من كم سنة وأنا ميال ميال), مع أن خالد يحب راغب علامة أكثر من عمرو ذياب.
على كل حال من نظموا حفلة (عمرو ذياب) نجحوا في استقطاب الناس, في جعل الفنادق ممتلئة, حركوا القطاعات التجارية في العقبة, وفي النهاية من استفاد من الحفلة هم أهل المدينة ذاتها: سائق التكسي عمل, والمطاعم عملت, والأسواق التجارية باعت بأكثر من مستواها المعتاد.. وتجار الخضار والفواكه, زودوا الفنادق بكميات مضاعفة..
في جرش كان الإقبال الأكبر على الفنان (خالد عبدالرحمن), لو قلت لكم أن هذا الفنان له شعبية أكبر من (عمرو ذياب) في الخليج ونصف أقطار العالم العربي... فصدقوني, على الأقل ما زال بالرغم من العمر يستقطب أجيالا من الشباب, الذين تربوا على البداوة.., على الأنماط الثقافية البدوية, وهذا الفنان جمهوره في جرش الأغلبية كانوا من قطر والسعودية والكويت.. وبالطبع السائح الخليجي لا يهتم لعمرو ذياب بقدر اهتمامه بالفنان الذي يعبر عن هويته.
أنا أدعو من ينظمون هذه الحفلات للتنويع, لقراءة السوشيال ميديا... ولتقديم هويات الشعوب أكثر من تقديم رغبة المراهق, ماذا مثلا لو أحضرنا... سناء موسى, وهي فنانة فلسطينية استطاعت أن تعيد إحياء موروث فلسطيني مهم وهو (الشلعيات).. وحين غادرت لقطر احتضنتها الجزيرة, وصارت هي الأعلى حضورا.. سناء لا تحاكي غريزة (النطنطة) في الفن, بقدر ما تحاكي الهوية والوجدان والتاريخ وعذابات الإنسان العربي... لو دخلنا اليوتبوب وشاهدنا حفلات سناء موسى حتما سنجد الدخول بالملايين.
لقد نجح القطاع الخاص في العقبة وبالتحديد (ايلة) وعلى رأسها المهندس سهل دودين, في إنتاج مشروع يتجاوز البناء إلى خلق فضاء ثقافي وفني, ولكن هذا المشروع يحتاج لأن يتجاوز شباك التذاكر وعملية البيع وعقلية الربح والخسارة, إلى تنويع المنتج... واستقطاب الحالة العربية دون التركيز على مصر أو لبنان فقط.
أنا مثلا أحب الغناء اليمني, وأحب الغناء العراقي.. وفي طفولتي كنا نتداول الكاسيت الخاص بالفرقة المغربية الأشهر في العالم وهي: (ناس الغيوان).. هؤلاء الذين خرجوا من الحي المحمدي الأفقر في المغرب وقدموا الغناء الصوفي، وأبهروا (ميتران) بحيث حصلوا على أرفع وسام تقدمه الدولة الفرنسية، غنوا للإنتفاضة ولقضايا الشارع العربي.
في بريطانيا ما زال (بوب مارلي) هو الأشهر بين كل الأجيال, ليس لأنه كان يدخن (الحشيش) بل لأنه الوحيد الذي أثار قضايا العنصرية في المجتمعات الأوروبية وبالتحديد في المجتمع البريطاني..وجعل موسيقى (الريغيه) الجامايكية, هي الأشهر عالميا...(بوب مارلي) حمل قضية السود ووظفها عبر الغناء.
القطاع الخاص نجح في ترويج العقبة, نجاحا مبهرا... والفضاء الثقافي والفني الذي قام بخلقه يعتير الأكثر استقطابا, ولكنه يجب أن يتخلى عن عقلية الثنائيات في الفن والقائمة على (مصر ولبنان)... يجب أن يتضمن مشروعه رسالة وطنية, أبعد من قصة الربح والخسارة وتشغيل الناس.
هي مجرد اقتراحات لا أكثر ولا أقل, ولكن لنعترف أن صناعة السياحة في الأردن مهمة, ولنعترف لمن ينظمون هذه الحفلات, أنهم في لحظة يستطيعون تحريك السوق, وفي لحظة يستطيعون رفع مدخولات السياحة, ويستطيعون خدمة الناس أيضا.. لهذا اختلفنا أم اتفقنا على عمرو ذياب..ليس هذا هو المهم, بل المهم هو أن سائق التكسي في العقبة يعود إلى منزله.. وقد حصل على دخل مريح.