انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية شهادة الموقف مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

الطاقة النووية (9): استخدام النظائر والإشعاع في تعظيم الثروات الحيوانية


الدكتور علي المر
مدير الطاقة النووية الأسبق

الطاقة النووية (9): استخدام النظائر والإشعاع في تعظيم الثروات الحيوانية

الدكتور علي المر
مدير الطاقة النووية الأسبق
مدار الساعة ـ نشر في 2023/09/29 الساعة 09:10
يشمل الإنتاج الحيواني الاقتصادي اللحوم والألبان والدهون والصوف والجلود والسماد والوقود. ولقد أصبحت الوسائل النووية اليوم أداة لا غنى عنها لتحسين الإنتاج الحيواني وتعظيم الثروات الحيوانية، في المجالات التالية:
أولًا- زيادة المساحات المزروعة من الأرض بالكلأ والأعشاب المفضلة للحيوانات وذات القيمة الغذائية.
ثانيًا- زيادة أوزان الحيوانات اللاحمة بتحسين أنماط التغذية.
ثالثًا- زيادة كميات الإدرار ومنتجات الألبان.
رابعًا- زيادة معدلات الحمل والإنجاب؛ بتحسين عمليات التلقيح، وتقليل الزمن بين الحمل والذي يليه.
خامسًا- التخلص من البكتيريا والطفيليات الضارة.
سادسًا- كشف الأمراض والأوبئة السارية مبكرًا.
سابعًا- إنتاج لقاحات مناسبة واستقصائها ومتابعتها.
ثامنًا- زيادة كميات الأسمدة العضوية.
تاسعًا- زيادة إنتاج الغاز الحيوي، للاستخدامات المنزلية والبلدية.
عاشرًا- تطوير الصناعات التحويلية والمنتجات الثانوية.
من النجاحات المبهرة، في مجال استخدام التقنية النووية في دراسة التغذية الحيوانية، تطوير العلماء الباكستانيون سلالة جديدة مقاومة للملوحة، من كلأ بري يسمونه عشب الكلر، تحبه الجواميس وغني بالمغذيات. فأصبح طول النبتة الواحدة يزيد على المتر، من حوالي 10 سنتمترات قبل التحسين. وتضاعف إنتاج الهكتار الواحد منه حوالي 10 مرات، وأصبح هنالك فائض كبير من هذا النبات، الذي سرعان ما انتشر استخدامه في البلاد، فاستغل الفائض في صناعة الورق والوقود الحيوي والأسمدة؛ وأصبح يشكل ثروة وطنية لا تقل أهمية عن النفط والغاز.
وفي إندونيسيا، التي تعتبر تربية الجواميس فيها ثروة قومية كبرى، تمكن العلماء، بدراسة خصائص الأعلاف وعمليات الهضم والأيض وأنماط التغذية باستخدام النظائر المشعة والإشعاع، من إنتاج نوع من العلف ذي قيمة غذائية مركبة، بحيث أصبح بالإمكان استخدام 10 أطنان من هذا العلف لإنتاج طن واحد من لحم الجاموس مقابل 55 طناً كانت تستخدم قبل ذلك لإنتاج الكمية نفسها من اللحم.
إن القيمة الاقتصادية لهذا الكشف المبهر ليست فقط في توفير 45 طن من العلف لكل طن من اللحم المنتج، بل تتجاوز ذلك إلى جوانب أخرى، غير مباشرة، ذات أثر اقتصادي وبيئي كبير، مثل توفير الجهد والوقت والكلف والأيدي العاملة، اللازمة لقص وتجفيف وتجميع وضغط وتحميل وتنزيل هذه الكميات الكبيرة من الأعشاب. وفي توفير مساحات واسعة من المباني والساحات التي كانت تلزم لتخزين هذه الكميات. ولقد ساعدت هذه الميزات في تحسين فرص نجاح صغار المستثمرين فضلًا عن زيادة عدد المنتجين وتوسيع مصالح المنتجين الكبار أضعافًا مضاعفة.
وفي مجال زيادة معدلات الإنجاب تستخدم النظائر المشعة والإشعاع في دراسة أداء المبيضين، في إناث الماشية، للتحقق من نجاح عمليات التلقيح الصناعي في أوقات مبكرة، للتمكن قبل فوات الأوان من إعادة التلقيح في حال فشله. وذلك بطرائق بسيطة للغاية، تعتمد على مبدأ وسم الهرمونات، المرتبطة بعمليات الإنجاب مثل هرمون البروجسترون، بالنظائر المشعة. وبقياس نسبة الإشعاع في الهرمون يمكن قياس نسبة الهرمون في الدم، وبالتالي تحديد زمن الشبق بدقة، وقبل ظهوره بوقت كاف؛ الأمر الذي أدى إلى توفير مبالغ كبيرة جدًا للمزارعين، من الدخل المتأتي من زيادة معدلات الإنجاب، وتقليل الزمن الضائع بين دورات الحمل المتعاقبة.
وفي مجال الصحة الحيوانية ظلت الأمراض الوبائية، مثل الإيبولا وحمى وادي الصدع وإنفلونزا الطيور والحمى القلاعية وحمى الخنازير وغيرها تتسبب في خسائر بمئات المليارات في كل عام، في العالم، بسبب نفوق قطعان الماشية، أو بسبب قتلها للتخلص من الأمراض المستعصية التي كثيرًا ما تنتقل إلى الإنسان، أو بسبب الخسائر الناجمة عن حظر استيراد المنتجات الحيوانية من الدول والمناطق المصابة. ولقد أمكن باستخدام الوسائل النووية، في التشخيص ومراقبة الجودة واستقصاء هذه الأمراض، تحسين كفاءة المطاعيم، والقضاء على الكثير من الأوبئة، وحصر الباقي في نطاقات ضيقة. ومن الأمثلة الإعلان عام 2011 عن القضاء على طاعون الأبقار الفتاك في العالم بعد حملة دولية استغرقت عدة سنوات. ولقد بلغ الوفر، في إفريقيا وحدها، جراء مكافحة هذا المرض، 920 مليون دولار في السنة. وفي الكاميرون، البلد الإفريقي، اجتاح طاعون صغار الماشية (المجترة)، المستوطن في شمال البلاد، مزارع وقطعان الماشية، وأتى على الكثير منها عن بكرة أبيها. وفي عام 2019 باشرت الحكومة في إجراء دراسة استقصائية لقياس مناعة القطعان، باستخدام الوسائل النووية بالتعاون مع المختبر الوطني لإنتاج اللقاحات، وجرى تطعيم 5 مليون رأس، ما تسبب في خفض نسبة الإصابات بهذا الوباء إلى 5% فقط، عام 2022، مقارنة مع 44% عند بدء الحملة. ومن المتوقع أن يعلن عن خلو البلاد منه نهائيًا عام 2030.
من جانب آخر فإن استخدام العقارات والأدوية البيطرية بكثرة في المناطق الموبوءة يترك بقايا سامة في المنتجات الحيوانية ما يتسبب في تقييد التصدير ويجر خسائر باهظة، ولقد وجه العلماء الباكستانيون اهتمامهم إلى هذه الناحية، ونجحوا باستخدام النظائر والإشعاع في الكشف وتقدير بقايا الأدوية والعقاقير الطبية الحيوانية والمواد الملوثة في المنتوجات الغذائية الحيوانية، بطريقة ميسرة ودقة فائقة؛ ما ساعد البلاد على تحقيق المعايير الدولية في المنتج الباكستاني وتعزيز قدرة عشرات الشركات الباكستانية الكبرى على المنافسة عالميًا.
إن ما يميز التطبيقات النووية الناعمة، كما بينا في المقالات السابقة، هو قلة التكاليف وسهولة الاستخدام وكثرة المستفيدين وغزارة المردود وسرعة الإنجاز، فكما أنها تستخدم على نطاق دولي وقاري، أو على نطاق الدولة الواحدة أو الإقليم، كما حصل في الحالات السابقة، فهي سهلة المنال والتناول على صعيد الأفراد والمزارع الصغرى. ومن الأمثلة نجاح فلاحين محليين (من صغار الملاك) في الكاميرون، البلد الذي سجل تجربة نووية ناجحة في مجال الثروة الحيوانية، من مضاعفة إنتاج الحليب 3 مرات، من نوعين من الأبقار في مزارعهم، من 500 لتر إلى 1500 لتر، في اليوم، ما وفر دخلاً إضافيًا قدره 110 مليون دولار أمريكي سنويًا لأصحاب هذه المزارع. ونجح عمل مشابه، قام به أحد الملاك، في القضاء على انتشار الحمى المالطية، بين الماشية التي يملكها، وهو مرض حيواني سريع العدوى، ويمكن أن ينتقل من الحيوانات للإنسان.
وهكذا... وهذا في الدول الفقيرة والنامية أو السائرة في طريق النمو، في آسيا وإفريقيا، فكيف بالدول التي سبقت إلى امتلاك ناصية التقنيات النووية، واستخدمتها منذ عشرات السنين. وباختصار فإن هذه الدول تجاوزت هذه الطرائق التي أصبحت من الروتين اليومي، للمزارعين ومربي الماشية، وأصبحت تبحث وتنتج أنواعًا محسنة من الحيوانات، عن طريق التحكم في الجينات والشيفرات الوراثية، ما لا يتسع المجال للحديث فيه.
في الأردن بدأنا في تسعينيات القرن الماضي باكورة أعمالنا في مجال السيطرة الحيوية على مسببات الآفات والأوبئة وشاركنا في مشروعين إقليميين كانا مدعومين من الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأول للسيطرة على ذبابة الفاكهة في منطقة البحر الأبيض المتوسط التي تتسبب في تدمير كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية والثاني في مجال مقاومة طاعون الماشية العابر للحدود والذي كان يتسبب في نفوق الكثير من القطعان في الأقاليم المجاورة كما ورد في السياق.
يتبع: الطاقة النووية (10): استخدام الطاقة النووية في علوم الأرض والمياه.
مدار الساعة ـ نشر في 2023/09/29 الساعة 09:10