حين كنت طفلا في الكرك, كنت دائما أسال لماذا يقومون بوضع أكياس من الورق على عناقيد العنب حينما تنضج, كنت أظن أنهم يريدون حمايتها من عبثنا نحن الأطفال.. لكنهم أغبياء, فمن السهل إزالة أكياس الورق ومن السهل سرقة العنقود.
فيما بعد تبين أن القصة مختلفة, فعناقيد العنب تغوي النحل والعصافير... ومن الممكن أن تتعرض لهجومها, وقد عرفت أيضا أن الفترة المحببة لهجوم العصافير على العناقيد هي لحظة شروق الشمس.. والحقيقة التي صدمتني أكثر, هي أن العنب أحيانا قد يتسبب للعصافير بنوع من الإرتخاء كونه يحتوي على خمائر معينة, وبالتالي فإن تغريد العصافير لا يرتبط بالفرح بقدر ارتباطه بما تناوله العصفور في الصباح من خمائر... بمعنى أدق (العصفور طافي).
منذ أن وعيت على الدنيا, وأنا أقرأ في مناهج اللغة العربية عن (زقزقة العصافير).. حتى أن هنالك قصيدة كاملة في المنهاج, علمونا إياها كلها تتحدث عن (الزقزقة).. وكل مواضيع الإنشاء التي كتبناها عن الوطن وصباحاته احتوت على مشهد(الزقزقة).. تخيلوا أنهم يوما وضعوا خلفية لمسلسل بدوي من بطولة (روحي الصفدي) تحتوي على زقزقة العصافير.. وهل يوجد في الصحراء عصافير؟
حتى الأوركسترا العالمية صاروا يدخلون فيها (الزقزقة).. حتى أفلام الكرتون, ومسلسلات الطبيعة, وأفلام رحلات الصيد.. كل شيء يتم إدخال زقزقة العصافير...صار الصباح مرتبطا لدينا بشيء واحد وهو زقزقة العصافير...
والحقيقة العلمية تؤكد أن دماغ العصفور صغير جدا, وأن الزقزقة الصباحية ترتبط بما تناوله.. أي باللغة العامية (مبيته معو).
لهذا كله فضلت أن أبقى في صف الغربان أنعق... كم ظلمنا الغربان وكم أنصفنا العصافير؟