من يتابع المشهد الحزبي هذه الأيام يلاحظ أن هناك إعادة تدوير للنخب السياسية من وزراء ومسؤولين سابقين كانوا في مواقع المسؤولية، فوجدوا في مشروع تحديث المنظومة السياسية فرصة للعودة إلى الواجهة عبر الأحزاب، ومن حسن تدبيرهم وخبرتهم في العمل السياسي نراهم اليوم في مواقع القيادات الحزبية، وهذا لا يطعن بمصداقية المشروع الحزبي إطلاقا.
ما استوقفني في هذا وأنا اتابع صولات وجولات عدد لا بأس به من هذه القيادات، غياب الشباب وهذا قد يكون عزوف منهم لأسباب كثيرة أولها عدم الثقة بنجاعة العمل الحزبي نتيجة تراكمات من فقدان الأمل والتهميش، والمتسبب الرئيس سياسات الحكومات المتعاقبة، وفي هذا لا لوم عليهم.
من منا من لم يشاهد الشباب وهم يحتجون ويتظاهرون ويعتصمون رفضا لواقع قالوا إنه ظلمهم وأحيانا تجاهلهم واستقوى عليهم في آخَر، باتوا أياما وليالٍ في خيامٍ نصبوها متمسكين بحقٍ كحقهم بالعمل، وساروا في الشوارع لإيصال صوتهم لأصحاب القرار بعد أن فقدوا الثقة بمجلس النواب الذي من المفترض أنه صوتُهم.
الشباب الأردني واعٍ للواقع الذي نعيش، ويعرف جيدا السياسة والاقتصاد والأدب والطب وعلوم الأرض والفضاء وغيرها، شبابنا له بصمات بماء الذهب، ونراه في كل أصقاع العالم يحقق الإنجازات والابتكارات والنجاحات، بالمختصر يبيض الوجه.
وهذا يدفعنا للقول أن الأحزاب مقصرة بحق استقطاب الشباب، أو مستسلمة للانطباع العام من عزوفهم عن العمل الحزبي، إلا بالحد اليسير لتحقيق شروط ترخيصها من قبل الهيئة المستقلة للانتخاب، وفي هذا ضعف نظر للمشهد السياسي الأردني، وتسطيح لمشروع التحديث السياسي، وخاصة أن الموعد الدستوري لإجراء الانتخابات النيابية هو العام القادم، ولا تملك الأحزاب فسحة من الوقت للاشتباك الإيجابي مع الشباب واستقطابهم.
المطلوب اليوم لنجاح المشروع الوطني الذي قدمه جلالة الملك وتعهد بحمايته، أن تقدم الأحزاب نفسها للشباب في الشارع والمدرسة والجامعة، تشاركهم همومهم وتحدياتهم ومطالبهم، ليشعروا أنهم جزء أساسي في تحديد الأولويات والخطط والبرامج الحزبية، وهذا لا يكون شكليا للاستخدام الإعلامي والتقاط الصور، بل يكون عن قناعة راسخة وحجم المسؤولية الملقاة على عاتق الأحزاب، وبغير ذلك كأننا ما غزينا.