مدار الساعة - ردد الأستاذ الدكتور أسعد عبد الرحمن الوصف المحيط بالأستاذ الدكتور عبد العزيز السبيّل الأمين العام لجائزة الملك فيصل ( مهندس الثقافة السعودية) مشددا على كون المحاضر صديقا عزيزا يعتز بعلمه وعمله وثقافته وجاذبيته الشخصيته، مثمنا مبادرته في رئاسة منتدى الجوائز العربية –قبل خمس سنوات- في انتخاب "جوائر فلسطين الثقافية" في "مؤسسة فلسطين الدولية" عضوا دائما في المكتب التنفيدي للمنتدى. وبموقفه هذا، المتمثل في حرصه على إبقاء اسم فلسطين حاضرا في رئاسة المنتدى، اختزل ضيفنا الزمن والمشاعر بيننا، لتعبر الكيمياء منذئذ عن نفسها، ولنصبح من بعدها صديقين عزيزين، في صداقة أعتز بها.
جاء ذلك خلال تقديم د. أسعد الدافئ للمحاضر مع بدء المحاضرة التي نظمتها "مؤسسة فلسطين الدولية" و"المدارس العصرية" في منتدى الأخيرة مساء الأربعاء، وقارب فيها الدكتور السبيّل: " تطورات وتحولات الثقافة في المملكة العربية السعودية" وسط حضور نوعي كبير وتفاعل واسع مع مثقفين ومثقفات إستمعوا واستمتعوا بوجبة تاريخية وثقافية دسمة، حيث تحدث الدكتور السبيّل في مفاصل مهمة برؤى ثقافية عريقة وعميقة، مجتهدا في انتقاء بعض الرؤى السريعة حول الثقافة في المملكة العربية السعودية وتحولاتها -لغير المختصين ولغير المتابعين عن قرب- لكي تبدو الصورة ذات عموم، معرجا من خلال الأسئلة على نقاط مفصلة ومتخصصة أكثر، بعد أن عبر عن خالص شكره وتقديره للحضور المتميز، وعن امتنانه لصديقه الدكتور أسعد والذي: "أنا به ومعه دوما أسعد" على حد وصفه.
أوضح الدكتور السبيّل أنه، منذ التأسيس، والسعودية تشهد نمواً حضارياً يعكس تحولات البلاد وأصالتها وتراثها وتقاليدها، تحولات انعكست حتى اليوم، وطالت الجوانب الثقافية والإعلامية والتعليمية. فخلال 91 عاماً ماضية، تأثر المجتمع السعودي بمؤثرات داخلية وخارجية خلقت مجتمعاً يتميز بالترابط الاجتماعي والإنساني وأصالة هي الأساس في تقديم وجه سعودي نوعي، حيث كان التركيز في السنوات السابقة على جانبي الثقافة الأدب والفن دون النظر إلى باقي الفنون الثقافية الأخرى. وتابع المحاضر المختص: أن الوضع الآن أصبح مغايرا تمامًا، حيث تم التوسع بدائرة الاهتمامات المختلفة بإضافة بعض الاقسام الأخرى بوزارة الثقافة. والآن، ومع رؤية 2030، اتسعت الدائرة وأصبحت أكثر شمولية للفنون المختلفة. مشيرا إلى أنه عند الحديث عن مشروع التحديث الثقافي في المملكة، فنحن نتحدث عن واحدة من أهم القضايا، والى أن قصة التحديث الثقافي لها جانبان: أحدهما رسمي يرتبط بأجهزة الدولة، والآخر غير رسمي يتمثل في مطالب واجتهادات المثقفين.
وتابع الدكتور السبيّل مؤكدا: أن تحولات السعوديين خلال العقود الماضية أسهم فيها تطور التعليم وتطور الاقتصاد، وأثرى الإعلام شيئاً منها، وتجلت منذ السبعينات مع التطور في مجالات عديدة، وهي ما أظهرت السعوديين بقدرات ثقافية وإبداعية وفنية للعالم، الامر الذي عكس الإمكانات الكامنة بفضل تحولات تعليمية وثقافية معاصرة لموجات دينية وسياسية، ليظل السعوديون والسعوديات على أهبة الاستعداد لمستقبلهم بصورة أكثر قوة.
ومع ظهور «رؤية 2030»، قطعت السعودية شوطاً كبيراً بالتطور الثقافي والتعليمي ودمجها مع ما يتناسب مع متطلبات العصر التقنية في فترة زمنية قصيرة. وأضاف د. السبيّل: أن من المشاهد التي برزت لدى المجتمع السعودي وأثرت تلك التحولات؛ إنشاء وزارة الثقافة هيئات متخصصة في أغلب النشاطات الثقافية التي تخدم بشكل أو بآخر توجه المملكة خلال السنوات المقبلة، حيث ارتأت الحكومة السعودية الحاجة إلى وزارة لها القدرة التشريعية لإدارة كمّ هائل من التراث المتنوع الذي تزخر به المملكة في مناطقها الـ13. ولذلك، جاء الأمر الملكي في يونيو (حزيران) من عام 2018 بإنشاء وزارة باسم «وزارة الثقافة» تنقل إليها المسؤوليات والمهام المتعلقة بالانشطة الثقافية، حيث استهدفت هذه الوزارة اهتمامات مختلفة منها: التراث والآثار والموسيقى والتمثيل والمسرح والأدب..الخ.. وخصصت لها مقار تجمع المهتمين في كل مجال، وتقدم لهم دورات تدريبية مجانية، وتمهد الطريق لتوسعة سوق العمل الثقافي. ثم أضاف موضحا: انه خلال السنوات الأخيرة، ركّزت السعودية اهتمامها في تعزيز الهوية والثقافة والتراث والآثار الذي تكتنزه أراضيها، كونها ملتقى حضارات، ولبعض هذه الآثار تاريخ يمتد لعشرات آلاف السنين، وهو ما جعلها هدفاً استراتيجياً تسعى إلى تطويره والمحافظة والبناء عليه، خصوصاً أن نحو 70 في المائة من مواطنيها هم من فئة الشباب دون 30 سنة، علاوة على تعزيز حضورها كموقع جذب سياحي عالمي.
كما حرص الاستاذ المحاضر على توضيح القفزة النوعية التي شهدتها مرحلة إنشاء وزارة التعليم السعودية منذ الستينات حتى اليوم، من خلال موجات تطور تعليمية تمثلت في برامج متنوعة، وكل هذا مع تنامي الخبرات من خلال صقل تعليمي تمثل في برنامج الابتعاث الذي استفاد منه آلاف الطلاب والطالبات السعوديات، مشيرا إلى أن السعودية الآن تختبر تحولاً ثقافياً متواصلاً -منذ تغير النظرة إلى "الثقافة" من مجرد جزء من وزارة الإعلام، إلى وزارة مستقلة عام 2018- يتمثل في إعادة تموضع للثقافة السعودية لتأخذ مداها الواسع عبر إعادة هيكلة الوزارة وجعلها مظلة رئيسية لمجموعة من الهيئات المعنية بالفنون والتراث والكتب والنشر وغيرها، وصولاً إلى تحديد موقعها الجديد في ظل ورشة التجديد الوطنية المستمرة، وإلى أن السعودية وعلى الرغم من كونها مجتمعاً محافظا ومنغلقا اجتماعيا لسنوات طويلة؛ إلا أنه استطاع اختراق هذه المحافظة والانغلاقية، ليكون من المجتمعات التي تعتبر ثقافية مقارنة مع مجتمعات سابقة.
وكانت المحاضرة قد شهدت حضورا لافتا ونقاشا جادا ومشاركة واسعة من مثقفين وتربويين وسياسيين وإعلاميين وباحثين ومهتمين، اجاب في ختامها د.السبيّل على أسئلة الحضور ومداخلاتهم. وانتهى اللقاء بشكر د. اسعد عبد الرحمن المحاضر على هذه "الرحلة الثقافية" الممتدة لقرن من الزمان، مشيرا إلى "أن ما رآه خلال الـ خمس سنوات الأخيرة في السعودية لم يكن ليخطر على باله، الأمر الذي ساهم ويساهم في تغيير الصورة النمطية الظالمة أحيانا، وإلى أن الذي يحدث في المملكة سيكون له ما بعده". وانتهت فاعليات المحاضرة بقيام د. أسعد بتقديم شهادة عرفان وامتنان للمحاضر باسم "المدارس العصرية" و"مؤسسة فلسطين الدولية".