قال احدهم: إذا أردت أن تحترف قيادة السيارة, عليك زيارة هذه المدينة, هذه المدينة التي يترك فيها احد السائقين مركبته في منتصف الشارع لشراء ربطة خبز, لتبدأ بعد ذلك معاناة مرور المركبات الأخرى وتجاوز هذه المركبة المتوقفة.
وبعد..
حصولك في بداية الأمر على رخصة قيادة سيارة سواء كان ذلك بنظام القير العادي أم بنظام القير الأوتوماتيك, فان ذلك لا يؤهلك باي شكل من الأشكال أن تكون سائق محترف, ولكي تكون كذلك عليك زيارة مدينة من مدننا الحبيبة, هذه المدينة تجد في شوارعها كل المفاجئات, وكل التناقضات, شواخصها المرورية غائبة, أو ربما مغيّبة.
في هذه المدينة تواجهك تارة مطبات, وتارة أخرى حفر, المطبات أُسست حسب مزاج (عبد المعطي) في ذلك اليوم, فبعضها كهضبة التبت تصلح للتنزه عليها, وبعضها الآخر كجبال بيرد لا تعرف كيف تنحدر منها إذا صعدت إليها, أما الحفر فقد أسسها أصحاب البيوت المحاذية للشوارع وحسب همة أبو (محمود) وأولاده, فتجد بعضها كخنادق حرب فيتنام لا تعرف مداخلها من مخارجها ليلاً وبالذات في فصل الشتاء.
وهذا من شأنه, وبعد أن تخوض هذه المعاناة, أن يجعلك سائق محترف فيما بعد..
في هذه المدينة, كثير من أصحاب المحال التجارية وعلى الجانبين يضعوا كراسي سامبا أو بكس بُلسترين فارغة أمام محلاتهم, كي لا تتوقف السيارات أمام هذه المحال, فيضيق الشارع عليك وينتج عن ذلك ازدحامات خانقة, ويقال أن أبو (مصطفى) احد المرات وضع جرة غاز فارغة, وتم سرقتها مع آذان المغرب.
وهذا من شأنه, وبعد أن تخوض هذه المعاناة, أن يجعلك سائق محترف فيما بعد..
في هذه المدينة, تجد أن ثقافة اصطفاف السيارات بطريقة مزدوجة مع ميلان مؤخرة السيارة ظاهرة منتشرة, وعليك في مثل هذه الحالة وعند مواجهتك لسيارة اخرى أن تضع (ريفيرس) وتعود للخلف مسافة قد تصل إلى أكثر من 20 متر في بعض الاحيان, وتسمع العديد من الاصوات تقول لك: أرجع.. أرجع.. أرجع.., وفجأ يعلوها صوت أبو (خالد) صارخا عليك: باس بس بس.
وهذا من شأنه, وبعد أن تخوض هذه المعاناة, أن يجعلك سائق محترف فيما بعد..
في هذه المدينة, تنقلب طاقية رأسك أكثر من مرة, حيث أن تجد أن الكثير من الشواخص تُدلل لك على أن الطريق باتجاه واحد, لتتفاجأ بحركة عشرات السيارات متزاحمة باتجاهين, وتتفاجأ ايضاً أن أم (علي) هداها الله والتي تجاوزت الخمسين عاماً تستدير بسيارتها وعلى أقل من مهلها في منتصف الشارع ذو الاتجاهين, لتُعطل بذلك المسربين شيء من الوقت.
وهذا من شأنه, وبعد أن تخوض هذه المعاناة, أن يجعلك سائق محترف فيما بعد..
في هذه المدينة, وحتى تكتمل دورتك الاحترافية في قيادة السيارة, عليك زيارة هذه المدينة ودخول أسوقها والتعامل مع شوارعها ما بين الساعة الحادية عشر صباحا, إلى الساعة السابعة مساءاً, من أيام الخميس وفي أخر كل شهر, فقد تجد أن سيارة أبو(سالم), وباص أبو(ناصر), ودبل كبين أبو (خديجة) قد أغلقا عليك جميع المنافذ, وستقوم بعد ذلك وعلى مبدأ التقدم والتأخر قليلاً, وستكون مجبوراً على أن تقوم بتقديم سيارتك 30 سم للأمام, ومثلها للخلف, كي تخرج من هذا المأزق الصعب.
وهذا من شأنه, وبعد أن تخوض هذه المعاناة, أن يجعلك سائق محترف فيما بعد..
في هذه المدينة, عليك أن تبتعد عن المارة وليس العكس, وعليك أن تُبقي نوافذ سيارتك حتى في فصل الشتاء مفتوحة على الدوام كي تتحدث مع المارة والسائقين من أجل التوقف قليلاً لحين مرورك, وعليك في هذه المدينة أن لا تتجاوز سرعتك سرعة المشاة أو ربما أقل منهم, وفي هذه المدينة, قد تتفاجئي بوجود حاويات القمامة أخذت جزء كبير من الشارع, وأن كثير من مخلفات الحاوية افترشت أرضية الشارع.. وهذا يتطلب منك مزيد من الحذر, وأن تبقى قدمك على الفرامل, ونظرك في المرآة الخلفية حيت التتابع الخلفي للسيارات.
المفارقة الجميلة هنا, أن سيارة احد مواطني هذه المدينة ويدعى أبو (عصام), قد تدخل في مسابقة أكثر سيارة في العالم تعرضت لضربات سيارات أخرى, فقد نقل احد الشهود أن هذه السيارة, وهي ذاهبة تظن أنها قادمة, وتظن أنها قادمة مع أنها ذاهبة, من هنا فهي تلقت كل هذه الضربات.. باختصار سيارة ابو (عصام) كل شيء فيها معطّل, إلا الزامور..
يقال أن الاصطفاف على اليمين شبه معدوم في هذه المدينة, حيثُ أنك تجد أن الاصطفاف يكون دائماً على الجهة اليسرى للسائق, وهذا يتطلب من المركبات القادمة الحذر والحرص الشديدين.
بقي أن نقول:
إذا أردت أن تحترف قيادة المركبات.. عليك بزيارة هذه المدينة..