تتواصل عمليات تفكك مؤسسات وهياكل ما سُمّي ذات يوم «المعارضة السورية», وخصوصاً منها تلك التي تم تشكيلها برعاية دولية وإقليمية/عربية, وعلى رأسها «المجلس الوطني السوري» في العام 2011, الذي برز مباشرة بعد اندلاع الأزمة السورية, ثمّ تلاه في العام 2012 ما غدا اسمه «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة»، أراد رعاته أن يُشكل مظلة «أوسع» تجمع شتات المعارضات, التي بدأت بالتناسل وحمل أسماء ومُسميات عديدة تبعاً لرغبة الممولين والرعاة، خصوصاً الذين ظنوا أن «الطريدة» باتت في متناول اليد وأن «إصطيادها» مسألة وقت ليس إلا، ما عني عدم السماح لدولة إقليمية أو أكثر الاستئثار بالغنيمة.. لهذا سمعنا عن تشكيلات عسكرية عديدة وأخرى سياسية ذات طابع حزبي إسلاموي وغيرها بمرجعية عشائرية أو أخرى استخبارية وأمنية. بل هناك مَن لم يتورّع الحديث عن تقسيم وانفصال بطابع عِرقي عن الدولة السورية, عبر دعوته إلى دولة فيدرالية سورية حداً وصل بأصحاب هذا الخطاب, الدعوة إلى تغيير اسم الدولة الرسمي الموسوم «الجمهورية العربية السورية».
ما علينا..
أحد الرؤساء السابقين لهذا الهيكل الكرتوني المُسمّى «الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة» الذي فقد دوره وتخلّى عنه الرعاة باستثناء تركيا، وهو «الشيخ» معاذ الخطيب, أعلن في تغريدة له على منصة (X) تويتر سابقاً يوم 16 الجاري, «وفاة الائتلاف» قائلاً: فلُسيجل السوريون أنه بتاريخ الأحد 10 أيلول 2023, «توفّي» ما يُسمّى الائتلاف الذي كان مُعارضاً، -مُضيفاً- وقد دفنه السوريون شعبياً ووطنياً، لاعنين جُبنه السياسي وانتهازيته وبيعه حرية شعبنا.. لافتاً إلى أن هناك تهديداً مُشيناً لـِ«إجبار أعضائه على التصويت لقيادة مفروضة عليه»..
أصابع الاتهام موجهة بالتحديد نحو تركيا، سواء من قبل «الشيخ» معاذ الخطيب وإن كان لم يُسمّها, أم خصوصاً من رئيس «هيئة التفاوض» السابق، نصر الحريري الذي أشار بصراحة إلى تحكّم أنقرة في شؤون الائتلاف، قائلاً: نحن نُحب تركيا، لكن أول من يجب أن يُلام هو مؤسسات الثورة, التي –أضاف- فتحتْ هذا الحيّز الكبير للتدخّل في شؤوننا الذاتية الداخلية.. لافتاً إلى أن تعامل «الحلفاء» مع المعارضة السورية لا يليق بها، مُتهماً مجموعة مُهيمنة داخل الائتلاف بـ"الإستئثار» بقنوات التواصل مع الخارج، وأن هذه المجموعة، من خلال هذه السياسة, مرّرت معارك لتصفية الحسابات وتعزيز النفوذ ومواجهة الحضور داخل الائتلاف.
هو إذاً صراع على المواقع والأدوار والامتيازات, وليس له أي صلة بالسياسة أو البحث عن بدائل ومقاربات, بعدما أفلست «المُعارضات» السورية على اختلاف رعاتها, والجهات المُمولة وتلك التي ما تزال تراهن على ما تبقى لها من أدوار, بعد ان فقدت كل مصادر تمويلها وانحسار الساحات والمساحات الداخلية, وخصوصاً الخارجية العربية والإقليمية والدولية التي أدارت لها ظهرها.
الضربة «الكبرى» التي سُدّدتْ وأوصلت بعض «قادة» المعارضات السابقين أو المتقاعدين, مثل الشيخ معاذ الخطيب أو نصر الحريري, هي إعادة «انتخاب» (اقرأ تعيين) المُعارض هادي البحرة رئيساً لهذا الائتلاف, الذي لم يعد أحد يسمع باسمه أو يحفل به خلفاً لسالم المسلط (علماً أن هادي البحرة هذا كان ترأس الائتلاف ذاته في العام) 2014، أما سبب إعادة تعيينه وإن تركيا وقفت خلف إعادته, فلأنها ترى فيه شخصاً «توافقياً» بينها وبين الولايات المتحدة, فضلاً عن تمتّعه بعلاقات جيدة مع دولة إقليمية وازنة. وهو أمر لم يرق للطامعين بترؤس هيكل متداعٍ اسمه «الائتلاف», رغم أنه لم تعد لديه أموال تُمكِّنه على الأقل من دفع «إيجار» مقره في إسطنبول. حيث تتولى أنقرة دفع المبالغ المترتبة وإن بتقتير شديد، ناهيك عن تراجع أدوار التشكيلات المعارضة الأخرى, التي تمّ إستيلادها بهدف إرضاء المجاميع المعارضة السياسية وخصوصاً العسكرية, وعلى رأسها ما يُسمّى «الحكومة المؤقتة, التي أوجدها الائتلاف لكنها تمرّدت عليه فيما يبدو, أو بعد أن تعددت ولاءات من توالوا على رئاستها.
ثمة هدف سياسي آخر لتركيا من وراء إعادة «تعيين» هادي البحرة رئيساً للائتلاف, وهو اقتراب موعد انعقاد «اللجنة الدستورية» التي انبثقت عن مسار استانا, على ما تقول شائعات غير مؤكد, خاصة أن مسار استانة نفسه, كان تم الإعلان عن انتهائه بعد إختتام جولته الـ«20», إثر دعوة من الخارجية الكازاخية (بما هي الدولة المُضيفة), إلى أن يكون هذا الاجتماع هو الأخير. ما أثار سيلاً من التساؤلات عن مكان ومستقبل المسار المقبل ودور المعارضة السورية فيه.
ما يعني -في الخلاصة- أن تركيا تريد الإمساك «بما تبقّى» من الائتلاف... كورقة مساومة ليس إلا.