انتقل الحديث عن فتح أبواب العلاقات بين السعودية وإسرائيل من مرحلة التخمين والتحليل إلى مرحلة قراءة أحداث ومؤشرات على الأرض وبعضها يجري بعيدا عن العيون، حتى أن وزير الخارجية الأميركي وصف هذا الأمر - ان حدث - بأنه سيعني تحولا استراتيجيا في المنطقة، لكنه تحدث عن الفرص بتحفظ يشير إلى العقبات أو التعقيدات التي تواجه تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
ولم تكن مشاركة وفد إسرائيلي في اجتماعات منظمة دولية في السعودية الأسبوع الماضي حدثا غريبا بل تم التعامل معه سياسيا وإعلاميا بشكل طبيعي ودون دهشة، وأصبح جوهر الأمر هو الشروط السعودية لعقد صفقة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهذا متوقع فدولة مثل السعودية تريد ثمنا كبيرا لتطبيع العلاقات التي يسعى إليها نتنياهو منذ سنوات.
التحرك الاقليمي للسعودية خلال الشهور الماضية يقول إن السعودية نزعت فتيل التوتر في علاقاتها مع الدول الإقليمية الكبرى.. إيران وتركيا، وهذا وفر للسعودية أجواء مناسبة لتخفيف الكثير من العبء الأمني والسياسي لهذا التوتر، وهذا لم يكن مجانا فعالم السياسة يقوم على تبادل المصالح، وحتى وان كانت السعودية لم تفكك كل الأزمات مع إيران إلا انها تخلصت من جزء مهم من عبء أزمة اليمن، ولهذا فالعلاقة مع إسرائيل تكمل مثلث نزع الفتيل مع الثلاثي الإقليمي فالسعودية اليوم هي الثقل العربي الاهم وبالتالي تستطيع خدمة مشروعها الاقتصادي والسياسي والتخلص من أعباء أمنية صنعتها أزمات الإقليم، لهذا فتطبيع العلاقات مع إسرائيل ليس في إطار حل الصراع العربي الإسرائيلي بل في إطار خدمة الرؤية السعودية الداخلية والخارجية أولا.
لكن السعودية لها موقف تاريخي من القضية الفلسطينية وبالتالي فإن خدمة هذا الموقف ممكنه في مسارين الأول تأكيد واضح في أي تفاهم مع إسرائيل على المبادرة العربية للسلام وحقوق الشعب الفلسطيني، والثاني فتح مسار تفاوض سياسي بين إسرائيل والفلسطينيين.
والسعودية دولة صاحبة تجربة ولهذا فإنها لن تكرر تجارب عربية في التطبيع كان الفلسطينيون خصومها ولهذا هنالك اليوم تواصل إسرائيلي فلسطيني ليكون الطرف الفلسطيني داعما لأي تطبيع، طبعا السلطة الفلسطينية أقل الأطراف العربية صلابة مع إسرائيل ولهذا ستتفق مع إسرائيل على كلام عام سياسي وستهتم بتفاصيل اقتصادية وإجراءات، وفي النهاية السعودية ستقبل بما ستقبل به السلطة.
لكن السعودية تريد تطبيعا يخدم مشروعها الشامل ولهذا فالتفاوض يتم مع أميركا، وكما ان نتنياهو الذي يعاني من أزمة داخلية يحتاج لهذا الاتفاق فإن السعودية لا تريد اتفاق سلام فهي ليست في حرب مع إسرائيل لكنها تريد صفقة تدفع ثمنها أميركا وإسرائيل وتعزز الدور السعودي إقليميا ودوليا وتخدم الفلسطينيين.
يجب أن نتذكر أن السعودية ليس هدفها من علاقة مع إسرائيل حل الصراع العربي الإسرائيلي بل خدمة مصالحها ومشروعها الداخلي والخارجي وتعزيز نفوذها وايضا خدمة الشعب الفلسطيني ودعم مسار سياسي لخدمة حقوقه، لكنها لن تفاوض إسرائيل على تفاصيل الملف الفلسطيني فهذا ارادته منظمة التحرير منذ أوسلو شأنا فلسطينيا.
نتنياهو في عجلة من أمره لإنجاز اتفاق مع السعودية، وإدارة بايدن أيضا التي تدخل عام الانتخابات، لكن السعودية تريد صفقة تحقق لها أهدافها مقابل ما سيحصل عليه نتنياهو وإدارة بايدن في وقت صعب يعيشه نتنياهو داخليا وعام انتخابات قادم على بايدن .