أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات برلمانيات جامعات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية الموقف شهادة مناسبات مستثمرون جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الحماية الاجتماعية – الدور والمؤسسة


محمود عدنان المعايطة

الحماية الاجتماعية – الدور والمؤسسة

مدار الساعة ـ
وفّرت الحضارة المعاصرة نتاجا إنسانيا تمثّل في جملة ضمانات اجتماعية متعددة الصّيغ والأشكال، عُرفت عموما باسم "الضمان المجتمعي" أو "الضمان الاجتماعي"، والذي أخذ صورته المعاصرة الأولى منذ أكثر من مئة عام. ومع تزايد نسبة المسنّين في مختلف المجتمعات، أصبحت الحاجة إلى الضمان المجتمعي أوضح باطّراد، وأصبح شمول أوسع القطاعات تحت مظلة الضمان الاجتماعي، وبأفضل الشروط الممكنة، مطلبا عاما أساسيا وملحّا، إلى حدّ أن مستوى ومدى شمول خدمات الضمان المجتمعي ونوعيتها أصبحت مؤشرات بارزة على تقدّم المجتمعات، وعلى المدى الذي قطعته الدول ومؤسساتها في تأمين الأساسيات الإنسانية للعاملين الذين أوقفتهم الظروف عن العمل، بشكل دائم أو مؤقّت، أو المسنّين، أو غيرهم من محتاجي الدعم في ظروف محدّدة.
هذا من حيث المبدأ الذي يصعب الاختلاف فيه... ولكن مستويات ما يتمّ تقديمه لمتلقّي خدمات الضمان، وأشكالها، وعدالتها، وشمولها، وتطبيق قواعدها، تبقى مناطق "حائرة"، تختلف فيها الآراء والاتجاهات والاجتهادات، وهي تعكس في مجملها مصالح تلتقي وتفترق، ورؤى اجتماعية-اقتصادية وسياسية متنوعة، وهذا من طبائع الأمور، ويبقى ساحة مركزية من ساحات الأخذ والرّدّ، والقبول والرفض. ولكن المبدأ الأعم، الذي يصبح المسّ به مسًّا بفلسفة الضمان المجتمعي من أساسها، هو التطاول على حقوق الفئات المشمولة بالضمان، والمتقاعدين متلقّي الخدمة، وخصوصا الفئات الأضعف والأقلّ دخلا منهم، فهذا يُعدّ من المحرّمات، في المنظور الاجتماعي الإنساني العادل.
وفي المملكة، ومنذ البدايات الأولى لمسيرة الضمان الاجتماعي قبل نحو خمسة وأربعين عامًا، قطعت مسيرة الضمان المجتمعي أشواطا كبيرة، وصولا إلى آخر المعطيات التي تشير إلى أن عدد المؤمن عليهم المشمولين بالضمان الاجتماعي وصل حالياً إلى نحو المليون ونصف المليون مشترك فعّال، من بينهم ما يقرب من (91) ألف مشتركٍ اختياري، وهو ما يتّصل مباشرة بحياة أكثر من سبعة ملايين فرد من أسر المؤمّن عليهم، وهو عدد كبير جدا بالمقياس المطلق، وأكبر، بالمقياس النسبي إلى عدد السّكّان. ومن هنا، يصبح النظر إلى محور الحماية الاجتماعية ذا أبعاد عميقة الأهمية، وتصبح آثار الحماية المجتمعية ذات أبعاد شاملة، في حياة الأفراد والأُسر والمجتمع الأردني في مجمله.
لم تكن الطريق سلسة ولا قصيرة، مثلما لا يزال فيها المزيد لقطعه نحو الأفضل والأفضل دائما. وقد تمّ إنجاز توحيد أنظمة الحماية الاجتماعية بين العاملين في القطاع العام والخاص ومنتسبي القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية اعتبارا من العام 2003، كما شرعت المؤسسة بشمول المنشآت التي تشغل أقل من 5 عمال اعتبارا من 2008، ومن ثم شمول العاملين لحسابهم الخاص اعتبارا من 2015. وعلى صعيد تمكين المرأة، ارتفع عدد المؤمن عليهن إلى حوالي 430 ألف مؤمن عليها كما في نهاية عام 2022، بعد أن كان حوالي 70 ألف مؤمن عليها نهاية عام 1999. أما على مستوى القطاعات، فقد بلغ عدد القطاعات المشمولة 17 قطاعا كما في نهاية العام 2022، مقابل 7 قطاعات في العام 1999، وانعكس ذلك على أعداد المنشآت المشمولة في مظلة الضمان، إذ بلغت 68,413 منشأة مقابل 12064 منشاة خلال الفترة ذاتها، ونتيجة لذلك تقدم المؤسسة اليوم رواتب تقاعدية لنحو 298,443 متقاعدا في نهاية عام 2022، مقارنة مع 44,987 متقاعدا في نهاية عام 1999. وفي عام 2010 توسعت المؤسسة بالتغطيات التأمينية باستحداث تأمينين محوريين: تأمين التعطل عن العمل وتأمين الأمومة، وقد اضطلعا بدور كبير وفاعل في الحماية الاجتماعية، وعززا منظومة الحماية الاجتماعية في سوق العمل. فقد شكل تأمين الأمومة أرضية مناسبة لتحفيز المرأة على المشاركة الاقتصادية وتشجيع الشركات والمؤسسات في القطاع الخاص على تشغيلها، وتوسعت المؤسسة بالمزايا المقدمة ضمن تامين الأمومة عام 2020 من خلال الإسهام في كلف الحضانات لفترة تمتد إلى 6 أشهر، كما أطلقت المؤسسة برنامجا وطنيا "رعاية" لدعم الكلف التشغيلية للحضانات في مختلف محافظات المملكة، بالإضافة إلى تقديم برنامج "استدامة" الذي يقدم الدعم للاشتراكات، وبدل الدعم النقدي على شكل حافز للشمول. وفي المجمل، تقدّم المؤسسة سبع حمايات اجتماعية من أصل تسع حمايات نصت عليها اتفاقية منظمة العمل الدولية 102 حول الحدود الدنيا للضمان الاجتماعي.
وكما بيّنت المؤسسة في بيانٍ حديث صدر عن مركزها الإعلامي، فإن التهرب عن شمول أي عامل بالضمان هو انتهاكٌ لأحد أهم حقوقه الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، وأنها تتابع باهتمام كبير القطاعات التي تشهد تهرباً عن شمول عامليها لغايات شمولهم بمظلة الضمان الاجتماعي. وبيّنت المؤسسة أن عدد المتقاعدين التراكمي وصل إلى (303) آلاف و(594) متقاعد، وأن التعديلات الأخيرة التي تم إقرارها على قانون الضمان الاجتماعي أسهمت في تعزيز الحماية الاجتماعية للمرأة العاملة في القطاع الخاص، وذلك بالسماح للمؤمن عليها بالحصول على بدل إجازة الأمومة، شريطة أن يكون لديها (6) اشتراكات متصلة أو متقطعة خلال الإثني عشر شهراً التي تسبق استحقاقها إجازة الأمومة، بدلاً عما كان معمولاً به سابقاً. وطالبت المؤسسة أصحاب العمل في جميع القطاعات الاقتصادية في المملكة بضرورة إشراك العاملين كافة لديهم بالضمان امتثالاً لأحكام قانون الضمان الاجتماعي إضافة إلى الاهتمام بقضايا السلامة والصحة المهنية وضرورة توفير بيئة عمل آمنة لعمالهم حفاظاً على حياتهم وسلامتهم.
وفي السياق نفسه، أكّد مدير عام مؤسسة الضمان الاجتماعي، الدكتور محمد الطراونة، أن رؤية التحديث الاقتصادي، تقوم على النمو الاقتصادي وإيجاد فرص العمل بالاعتماد على الاستثمار لرفع نوعية الحياة للموطن، سيّما وأن الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية تركز على كرامة المواطن، وأن محور التمكين لتعزيز الإنتاجية والتمكين يركز على الغالبية بالحصول على عمل، كما أن من ضمن الأولويات والبرامج توسيع مظلة الحماية الاجتماعية بالشمول، والتحول الإلكتروني، وتسجيل ودفع الاشتراك إلكترونيا، إذ بإمكان أي موظف أن يشمل نفسه بمظلة الضمان، إضافة إلى تقديم 76 خدمة إلكترونية ضمن تطبيق سند الحكومي.
كما شملت حملات توسيع أشكال الحماية والمساندة والدعم، تسهيلات مهمة شملت عددا من الجامعات، عبر منح دراسية وتسهيلات في الدفع لأبناء وبنات المتقاعدين المشمولين بالضمان، والتعاون لتدريس مواد خاصة بالضمان الاجتماعي في الجامعات، وتحقّقت بالفعل نتائج طبية من هذه الجهود المستمرة.
وكان ذو أثر إيجابي، شروع المؤسسة في تنفيذ المرحلة الثانية من برنامج "استدامة ++"، الذي يدعم اشتراكات العاملين في القطاع الخاص والعاملين لحسابهم الخاص ويقدم حوافز شمول له. وهذا البرنامج يهدف إلى دعم انتقال العاملين إلى مظلة الاقتصاد الرسمي، وتوسعة الشمول بالضمان الاجتماعي بطريقة سلسة ومرنة ولفترة زمنية تصل إلى (12) شهراً؛ مما يتيح الاستفادة من المنافع التأمينية وتوفير الحماية المباشرة لهم، والبرنامج لا يشكل أي عبء مالي على الفئات المستهدفة أو أي التزامات مالية على المنشآت أو أصحاب العمل الذين يرغبون بتسجيل العمّال الجدد لديهم بعد تاريخ 1/6/2022 بغض النظر عن جنسيتهم. وكان مهما تأكيد الاهتمام بالفئات الأضعف، فالأفراد العاملون لحسابهم الخاص، سواء الأردنيون أو غير الأردنيين، فيشترط لاستفادتهم من البرنامج أن لا تزيد أجورهم الشهرية المشمولة والخاضعة للاقتطاع على (500) دينار، وأن لا تقل شريحة الشمول بتأمين الشيخوخة عن (50%) على أن يكونوا مسددين للاشتراكات المترتبة عليهم، حيث إن الفئات المستهدفة بالبرنامج تشمل الأفراد العاملين لحسابهم الخاص في المهن والحِرف المشمولين وفقاً للمادة (46) من نظام الشمول بتأمينات المؤسسة، وكذلك حملة تصاريح العمل الحرّ والمرن لغير الأردنيين مع التركيز على العاملين في القطاع الزراعي والعاملين من اللاجئين السوريين بنسب محددة تبعاً للبرنامج، ومع إعطاء الأولوية للإناث العاملات لحسابهن الخاص.
وتستمر الجهود الحثيثة للحكومة، بتوجيهات ملكية سامية متكرّرة، لتعزيز الحماية الاجتماعية، وخاصة للفئات الأكثر حاجة، بما فيها فئات العاملين في الاقتصاد غير الرسمي، ومن بينهم اللاجئون السوريون والنساء العاملات والعاملون في القطاع الزراعي، بهدف شمول هذه الفئات بالضمان وتحفيزها على الاستمرار بالشمول.
إن النتائج المحققة، والجهود التي بُذِلت وتُبذَل لتحقيقها، ونوعية الخدمات المقدَّمة، محكومة كلها دوما بتقييم المواطن الأردني وكل مشمول بمظلة الضمان الاجتماعي، وهذا مشروع ومحلّ احترام وتقدير... ولعلّ الاتّساع في مظلة شمول الحماية المجتمعية، والإقبال المتزايد على الانضمام الاختياري للضمان، مؤشران واقعيّان محايدان على نجاح يستحقّ التقدير، مثلما يشير التفاعل الواسع مع الخدمات التي تقدمها مؤسسة الضمان الاجتماعي إلى وعي متعاظم بأهمية خدمات الضمان، من أجل حياة فيها استقرار أكبر، وهموم أقلّ... وأيّ همّ أكبر من همّ غياب أسس الحياة ومقوّماتها الكريمة، أمام العوز وضنك العيش؟!
مدار الساعة ـ