كان على متابعي حفل افتتاح قمة «G20» التي انتهت للتو في العاصمة الهندية/نيودلهي، ملاحظة الترحيب الحار الذي قوبل به إعلان رئيس وزراء الهند/مودي, قبول الاتحاد الإفريقي عضواً «رسمياً» في هذا التجمّع الدولي, الذي تمثل الدول الأعضاء فيه 85% من الناتج الاقتصادي عالمياً، و75% من التجارة العالمية ويُشكّل مجموع سكانها حوالي ثلثي سكان الكرة الأرضية.
ما يبعث على الحزن حدود الانكسار، أن أحداً في التجمّعات الدولية كما الإقليمية الفاعلة, لا يحفل بجامعة الدول العربية ولا يقيم وزناً لها, عند البحث الجاد عن شركاء جادّين وأصحاب وزن وقرار, يمكن أن يُشكلوا قيمة مُضافة لتجمع أو شراكة إقليمية أو قارية، على النحو الذي مثّله ويمثله الآن «إتحادان» دوليّان أحدهما, يجمع القارة الإفريقية منذ تموز عام 2002 ويحمل اسم «الاتحاد الإفريقي», الذي يضم في عضويته 55 دولة (خلفاً لمنظمة الوحدة الإفريقية التي كانت تأسست في 25 أيار1963)، أما الاتحاد الآخر فهو «الاتحاد الأوروبي» وهو ?غنيّ» عن التعريف, نظراً للدور الحيوي الذي ينهض به في المشهد الدولي (رغم تبعيّته المُطلقة للولايات المتحدة وهذا ليس موضوعنا), ويضم في عضويته 27 دولة، إذ قام وِفق معاهدة ماستريخت «بلدة هولندية", في الأول من تشرين الثاني 1993، خلفاً أو قل استمراراً لمبادئ وروح ما كان عُرِف في خمسينيات القرن الماضي باسم «المجموعة الاقتصادية الأوروبية» التي تأسست في آذار 1957.
قراءة «تاريخ» هذين الإتحادين تلحظ حدوث تطور لافت, على الصِيغ التي كانت خلف فكرة إيجاد نوع من الشراكة ذات أبعاد متعددة, سواء كانت اقتصادية أم سياسية فضلاً عن الأمنية والتجارية، على النحو الذي تم استعراضه أعلاه، علماً أن الإتحادين المذكورين, تأسسا «في البداية» بعد سنوات من قيام الجامعة العربية, التي توشك بعد أقل من عامين على إتمام عقدها «الثامن» إذ تأسست في آذار 1945، ولم يطرأ أي تغيير جوهري يُذكر على الصيغة التي اعتمدت في ذلك التاريخ حتى الآن، خصوصاً أن اجتماعاتها كما قراراتها لا تُؤخذ بحماسة، رغم كل ما تُح?ط به هذه الاجتماعات وتلك القرارات, من تغطية إعلامية وتحليلات.
ما يلفت الانتباه أكثر هو هذا الإصرار الذي تبديه الدول الأعضاء, في «منع» إدخال أي تعديلات على ميثاق الجامعة العربية, الذي كُتب في نهاية الحرب العالمية الثانية وقبيل اندلاع الحرب الباردة، والأكثر إثارة أن «بند الإجماع» الذي يجب أن يتوفر للموافقة على أي قرار، يتم تجاوزه في معظم الإجتماعات حال برزت مسألة «ما» تستوجب حدوث استنفار لدى «المحاور", التي باتت هي الأخرى سمة أساس في تاريخ الجامعة منذ ما قبل تسعينيات القرن الماضي حتى الآن.
صحيح أن الاتحاد الأوروبي يشترط «الإجماع» لتمرير قراراته, إلا أنه في الآن ذاته يمنح أعضاءه «مُهلاً» ملائمة لمناقشة نقاط الاختلاف أو الاعتراض, الذي تبديه دولة أو أكثر على أي قرار إلى أن يتوفر الإجماع أو يُشطب الاقتراح أو يُؤجل.. وهذه أمور لا تتوفر من أسف في مشهد اجتماعات الجامعة على أي مستوى, إن مستوى مؤسسة القمة, أم في الاجتماعات الوزارية أو حتى على مستوى المندوبين الدائمين.
ماذا عن الاتحاد الإفريقي؟
ثمة ما يبعث على الإعجاب في المستوى الحضاري والديمقراطي الذي بات عليه هذا التجمع القاري, وهو ما تعكسه قراءة ميثاقه والصياغة المُحكمة التي صيغ بها, والبروتوكولات التي تنظم عمله, (وهو أمر متاح للحميع عبر موقع الاتحاد الإفريقي على شبكة الإنترنت)، ما يزيد من القناعة أن «نيله» عضوية رسمية في مجموعة G20 كانت مُستحقة، ولم تكن «رشوة» أو حتى محاولة لجذبه في معركة الاستقطاب الشرسة التي بات عليه المشهد الدولي، والتي تقودها الولايات المتحدة في محاولة منها لإبطاء مرحلة أُفول هيمنتها المُتغطرسة, التي بدأت بعد انتهاء الحر? الباردة وآن لها أن تُدرك الآن, بأن عالماً مُتعدد الأقطاب بات قيد التشكّل والبروز.
مؤسف أن يحتفي العرب بهذه التجمعات الدولية والإقليمية ويُبدون حماسة لافتة فيها, فيما هم يديرون ظهورهم لـ"جامعة» لم يُمكِّنوها أن «تجمع", ولا يلوح في الأفق بانها ستنهض بهذا الدور بعد أن ناهزت.. «الثمانين حولاً».