في السنوات الثلاث الأخيرة، كانت التحصيلات الضريبية تفوق المقدر في الموازنة، وفي بعض الفترات تجاوزت الـ500 مليون دينار، والسبب الرئيسي لذلك هو الإصلاح الهيكلي الذي طال هذه الدائرة ابتداء من عام 2019، مع سريان القانون الجديد، مدعوما بإدارة ضريبية رسمية حكيمة ورشيدة، إذ حققت نجاحات كبيرة، ساهمت في إنقاذ الخزينة من التداعيات والأزمات التي أحاطت بها، ولبت معظم الاحتياجات التمويلية للحكومة التي تنامت بشكل يفوق حتى نمو الإيرادات الضريبية.
لكن من المرجح أن حالة النمو في التحصيلات الضريبية لن تستمر بهذا الشكل الإيجابي الكبير وغير المسبوق، فالنمو في الفترة المقبلة سيكون أقرب إلى النمو الطبيعي، المبني على زيادة قاعدة الشمول الضريبي من جهة، ومكافحة التهرب الضريبي وتطبيق الفوترة على جميع القطاعات من جهة أخرى.
هناك تحديات حقيقية أمام فريق الحكومة المكلف بإعداد قانون موازنة العام المقبل، فإيرادات الشركات الكبرى، خاصة في قطاع التعدين، من المتوقع أن تتراجع بشكل كبير، مما سيساهم في وضع ضغط هائل على ضريبة الدخل.
ولا ننسى أن تراجع استهلاك بعض أصناف المحروقات خلال الأشهر الماضية، مثل الديزل والبنزين أوكتان 90، سيلحق خسائر كبيرة بالعوائد الضريبية المترتبة على هذه المشتقات.
حتى قرار الحكومة، الذي صدر قبل عام، بتخفيض الرسوم الجمركية وتوحيدها على أربعة مستويات، ستكون له تداعيات سلبية على الخزينة في العام المقبل نتيجة تنامي الواردات من تلك السلع التي تم تخفيض الجمارك عليها.
وهناك الأزمات الإقليمية والدولية التي تلقي بظلالها بين الفترة والأخرى على الاقتصاد الوطني بشكل مباشر وغير مباشر، فاستمرار الحرب الروسية الأوكرانية ستكون له تداعيات حادة على تقلبات أسعار المواد الغذائية، خاصة الحبوب مثل القمح، إضافة إلى ارتفاع تكاليف سلاسل التوريد وتكلفة الشحن.
وأسعار النفط ما تزال عند مستويات مقلقة اقتصاديا بالنسبة للخزينة، وهذا سيتسبب في النهاية بزيادة معدلات العجز في الموازنة، مما يعكس ارتفاع المديونية التي وصلت اليوم إلى مستويات عالية تتجاوز 39.67 مليار دينار أو ما يمثل 114 % من الناتج المحلي الإجمالي.
بالمقابل، ستكون هناك زيادة في النفقات الحكومية مقابل تقلص الإيرادات المحتمل، في حال عدم اتخاذ إجراءات مالية سريعة، أهمها ضبط حقيقي وواقعي للنفقات.
وستكون الخزينة أمام تحديات مطالب خدمية وضغوط متزايدة على النظام الصحي والتعليمي، حيث تحتاج خدمات صحية وتعليمية عالية الجودة إلى تمويل كبير.
وستحتاج الحكومة إلى تخصيص موارد كافية لتلبية هذه الاحتياجات الملحة.
ومن المهم أن تتبنى الحكومة الأردنية سياسات مالية قوية.