أكثر من مرة كتبت، ان من أسباب تفاقم ازماتنا الاقتصادية المستفحلة، السلوك الإقتصادي الغير سوي للغالبية الساحقة منا، وأكثر ما تظهر بشاعة سلوكنا الإقتصادي الغير سوي باوضح صورها في مناسباتنا الاجتماعية، خاصة الاعراس والمأتم، حيث يصل الإنفاق فيها احيانا إلى حد السفه، ليس كراما، ولكن تقليدا ورياء اجتماعيا غير محمود، وهو سفه يوقع الكثير من أصحابه تحت وطأة ديون ثقيلة. ويعمق الازمة الاقتصادية لاسرنا، ثم وطننا فمعظم ما نستهلكه في هذه المناسبات هو من مواد مستوردة يدفعها وطننا بالعملة الصعبة، بما في ذلك الأرز واللحم رومانيا كان ام أستراليا.
وبدلا من ان نسعى لإغلاق أبواب الإنفاق الغير مبرر، ونرشد الاستهلاك بمناسباتنا الاجتماعية، صرنا نتوسع في دائرة المناسبات، ونزيد الإنفاق فيها، من ذلك على سبيل المثال لاالحصر اننا طورنا مؤخرا الاحتفال بنتائج التوجيهي، وبدلا من التهنئة بالبيوت والاكتفاء بصحن الكنافة، نقلنا الاحتفالات بالتوجيهي إلى الفنادق والصالات الفخمة، والبوفهات المفتوحة والفرق الموسيقية المستأجرة، ولو كان كل ذلك على حساب أولويات أخرى لاسرنا، ولو كان سيزيد من ضائقتنا المالية، متناسين، ان من نحتفل بنحاحه بالتوجيهي، يبدأ رحلة معناة أخرى من البحث عن مقعد جامعي للوصول إلى مستقبل مجهول، ينتظره فيه غول البطالة الذي تزداد انيابه طولا عاما بعد عام، ليدفع الكثيرين من شبابنا إلى مستنقع المخدرات، وليس حال خريج الجامعات بأفضل من حال الناجح بالتوجيهي، فعلي ما كل هذه الاحتفالات، وكل هذه المصاريف؟.
ومن أوجه التوسع في مجال الإنفاق الذي يدخل في باب الرياء، الولائم والاحتفالات الكبرى التي صارت تقام بمناسبة الترقية من رتبة إلى رتبه، سواء كانت هذه الترقية وظيفية أو أكاديمية، وهي ولائم واحتفالات لاتقتصر على الدائرة المقربة من الأهل والأصدقاء، لكنها صارت تأخذ الشكل الجماهيري، ثم نتسأل أيهما يقود الاخر المجتمع ام الجامعة؟.