البعض اصبح لا عمل له سوى التربص بالنشرة المالية الصادرة عن الحكومة وبشكل دوري بهدف التقاط أرقام الدين العام «المديونية» ليبدأوا بعدها بتوزيع الاحباط والتشاؤم والسوداوية واعلان حالة التخوف تجاه الاقتصاد الوطني ومستقبله وسط تلميحات بوجود الفساد، وكأن الحكومات تستقرض لمجرد انها تستهوي الاستقراض وليس لاجل مواجهة التحديات، فما هي اسباب ارتفاعها واين تذهب ؟
39.7 مليار دنيار مديونية رقم بسيط لدولة كما الاردن التي تحملت في السنوات العشر الماضية ما عجزت عن تحمله دول عظمى ودول اقتصادية كبرى، وهذا ما يتضح جليا عند تتبع مراحل تشكل وارتفاع المديونية خلال تلك السنوات فارتفعت من 11 مليارا الى ما يقارب 40 مليارا وبنسبة ارتفاع بلغت 300%، ومع ذلك فالمديونية رغم ارتفاعها حققت اهدافا ايجابية للاقتصاد الوطني الذي استطاع بفضلها المحافظة على النمو والاستقرار النقدي والمالي .
الواقع يقول ان ما تحملته المملكة ليس بسيطا ولا يخفى على احد، فالعاقل والمدرك للاحداث التي تعرضنا لها في هذه الفترة لايجب عليه ان يسأل او أن يستغرب من ارتفاع المديونية وخاصة من شهد على الربيع العربي وتداعياته من ارهاب ولاجئين وانقطاع للغاز المصري وحالة الحصار التي تعرض لها اقتصادنا وصولا لجائحة كورونا والحرب الروسية الاوكرانية، ومن هنا لابد من السؤال هل كان بمقدورنا ان نصمد لولا الاستدانة ؟.
اذا ما استعرضنا كيفية تشكل المديونية بالسنوات العشر الماضية، سنجد ان انقطاع الغاز المصري ومواجهة جائحة كورونا فقط حملت المديونية ما يزيد عن 11 مليار دينار التي تم استقراضها لابقاء الكهرباء مستمرة دون انقطاع على المواطنين ما جعل الحكومة انذاك تقوم باقتراض ما يقارب 7 مليارات دينار لتأمين الوقود الثقيل، وعند الذهاب الى ما استقرضته الحكومة لمواجهة جائحة كورونا سنجد انها استدانت ما يقارب 4 مليارات دينار لتأمين العلاج والخدمات الصحية ودعم الاقتصاد واستمرار نموه وتوفير السلع وضمان عدم انقطاعها او ارتفاعها وعدم تسريح العمالة.
ناهيك عن ما تحملته الحكومة من دعم استضافة اللاجئين واغلاق المعابر امام صادراتنا جراء الارهاب الدائر في المنطقة وما تحملنا من كلف للارتفاعات الجنونية لاسعار النفط واستمرار الحكومة بواجباتها تجاه الطبقات الفقيرة والمتوسطة ودعمها للسلع الاساسية، و استمرارها بتأمين متطلبات الموازنة العامة والتي تشكل فيها الرواتب فقط 70% من حجمها، ما يضطرها في كل عام للاستدانة لتعويض العجز بالموازنة واستكمال مشاريعها الرأسمالية.
المديونية ارتفعت لدى مختلف دول العالم وليس نحن فقط، فمن يلحظ موازنات مختلف الدول سيجد هناك عجوزات ومديونية تزداد، غير ان الفرق ما بيننا وبين تلك الدول يكمن بالنتائج والارقام والمؤشرات التي تتحقق والقدرة على السداد والاستقرار النقدي والمالي التي يتمتع بها اقتصادنا رغما انه ناشىء ولايمتلك ثروات وامكانيات مالية كما تلك الدول، وهذا هو الدليل على ان مديونيتنا ايجابية ومطمئنة واحسن التصرف باستغلالها افضل استغلال وبشهادة العالم الاستقرار الذي نعيشه.