كل النجاح المالي الذي تحقق في السياسة الضريبية، كانت انعكاساته على التنمية المستدامة شبه معدومة، لأن فوائض الضرائب التي تحققت، والتي كانت أعلى من المقدر في الموازنة في بعض الأحيان، ذهبت لتمويل نفقات الحكومة المتزايدة، والأصل أن تذهب هذه التحصيلات لمشاريع رأسمالية يكون لها انعكاسات إيجابية في تعزيز النمو الاقتصادي.
أقولها بصراحة، خلال السنوات الثلاث الماضية، وتحديدًا مع أزمة كورونا، لم تظهر الحكومة- في مظهرها العام- أي شكل من أشكال ضبط النفقات.
ورغم أن الاقتصاد يعاني تحديات تستوجب مزيدًا من شد الأحزمة، إلا أنه بالعكس، كان أداؤها المالي يظهر بالأرقام مزيدًا من التوسع في التعيينات والمصروفات المختلفة التي تجاوزت ما هو مقدر أو محدد لها في قانون الموازنة، وبنسب تناهز الـ7 % في بعض البنود.
شكل الإنفاق والتجاوز في المخصصات المرصودة كان أساسيًا في سلوكيات المؤسسات والهيئات المستقلة وبعض الجهات التي هي خارج السيطرة المركزية للخزينة.
من المنطق أن تعلن الحكومة عن سياسة شد الأحزمة، وليس هذا التوسع الأفقي في السنوات الأخيرة، الذي قد يكون له بعض المبررات الاجتماعية الضاغطة في ذلك الوقت، لكن الاستمرار بذات النهج هو أمر خطير؛ بسبب انعكاسه على هيكل المديونية الإجمالية التي تجاوزت 39.66 مليار دينار، أو ما نسبته 114 % من الناتج المحلي الإجمالي.
قرار ضبط النفاق ليس قرارًا محصورًا بوزير المالية فقط، بل هو قرار حكومي كامل، أي أن على جميع السادة الوزراء الاتفاق على هذا الأمر وتنفيذه بقناعة اقتصادية، والابتعاد عن السلوكيات الاتفاقية العبثية لكل وزارة على حدة.
الحكومة بأمسّ الحاجة اليوم إلى إعلان سياسة شد الأحزمة وضبط الإنفاق في بعض الأوجه التي لا تؤثر في النمو الاقتصادي، اذ تتنوع أشكال سياسة ضبط النفقات التي تتاح أمام الحكومة، وقد تشمل إجراءات مثل تقليص الإنفاق الحكومي عن طريق تخفيض الميزانيات المخصصة للعديد من القطاعات والوزارات، مع تحديد الأولويات وقطع النفقات غير الضرورية، أو التي لا تحقق المخرجات المطلوبة.
الحكومة مطالبة أيضًا بتحسين إدارة الموارد من خلال تعزيز كفاءة الإنفاق، وذلك عبر مراجعة العمليات والإجراءات المالية وتحسين نظام المحاسبة والرقابة والشفافية.
كما يجب التركيز على المشاريع والبرامج ذات الأولوية العالية، بحيث يتم التمييز بين المشاريع والبرامج ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي لها تأثير كبير على التنمية وخلق فرص العمل وتعزيز الاقتصاد، وبناءً على ذلك، يتم التخطيط لتوجيه الموارد بطريقة أكثر فعالية لدعم هذه الأولويات.
سياسة ضبط النفقات تتضمن أيضًا تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، ويمكن تحقيق ذلك عبر تقوية نظام المساءلة والشفافية في استخدام الموارد الحكومية للحد من الفساد وضمان أقصى درجات الكفاءة والنزاهة.
تنفيذ سياسة ضبط النفقات يتطلب توازنًا بين الحفاظ على الاستدامة المالية وتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين دون المساس بتعزيز النمو الاقتصادي.