وسط توقعات متواضعة يستقبل الرئيس الروسي بوتين نظيره التركي أردوغان, في زيارة كانت موضع جدل وتضارب في التصريحات وتحديد المواعيد، بدأها أردوغان في شهر آب المنصرم عندما أعلن أن بوتين سيكون في اسطنبول هذا الشهر، لم يلبث ناطق الكرملين بسيكوف أن نفى علمه بلقاء كهذا لم يتم تحديد موعد له, إلى أن أُعلِن أن أردوغان هو الذي سيذهب إلى منتجع سوتشي على البحر الأسود، الأمر الذي خضع إلى تحليلات محمولة على تساؤلات, ما إذا كان الفتور هو الذي يميز علاقات موسكو وأنقرة؟, خاصة أن أردوغان هو الذي اتخذ «قرارات» وأطلق تصريحات استف?ازية تجاه موسكو, التي وإن لم تبادله «النبرة» ذاتها, إلا أنها عبّرت عن عدم ارتياحها إزاء تصريحات أردوغان, عند استضافته نظيره الأوكراني/زيلينسكي في زيارة لم تكن مُخططة, ويبدو أن أردوغان أراد عبرها ارسال رسائل في اتجاهات مختلفة, إحداها والأكثر استفزازاً كانت بإتجاه روسيا، عندما قال إن من «حق» أوكرانيا الحصول على عضوية حلف الناتو، بل أمعن في استفزاز موسكو بإطلاقه خمسة من نازيي كتيبة آزوف, كان أردوغان تعهّد بابقائهم في تركيا حتى انتهاء الحرب الأوكرانية, لكنه تنكّر لعهوده.
ثمة مؤشرات على أن جدول أعمال قمة اليوم سيكون مُركّزاً على إعادة العمل, بصفقة الحبوب التي انتهت مفاعيلها في 18 تموز الماضي، بعد أن لم تلتزم أطرافها خاصة الأمم المتحدة وتركيا, بما تعهدت تنفيذه إزاء روسيا. سواء في ما خص ربط بنك روسيا الزراعي، «روس سلخوز بنك» بنظام سويفت, أم برفع الحظر عن صادرات الآلات الزراعية إلى روسيا، حيث تبدي واشنطن رفضاً لتلبية هذين البندين (ربطاً كما تزعم بالعقوبات), في وقت صدر فيه تصريح استفزازي عن رئيس مكتب العقوبات في وزارة الخارجية الأميركية/اوبراين قال فيه: إن الولايات المتحدة تطلب?من روسيا «توضيح» مطالبها, مقابل استئناف مبادرة الحبوب في البحر الأسود، علماً أن الاتفاقية التي تم توقيعها كصفقة شاملة مصممة لثلاث سنوات, ولدى الولايات المتحدة نسخة عنها قامت الأمم المتحدة بتوزيعها.
مباحثات بوتين أردوغان لن تكون سهلة على أكثر من صعيد، ولا يبدو أن الرئيس الروسي بصدد التراجع عما كان قاله شخصياً كما وزير خارجيته لافروف, في شأن تلبية بنود مبادرة الحبوب وِفق إجراءات ملموسة ومُعلنة، بعيداً عما جرى خلال العام الذي انقضى على بدئها, دون أن تلتزم تركيا والأمم المتحدة بها, أو تُعلن الأخيرة عن «الطرف» الذي لا يلتزم بها وهو واشنطن.
صحيح أن المستفيد الأول من هذه الصفقة هي تركيا وأردوغان شخصياً, الذي ظهر كوسيط مقبول على طرفي الأزمة الروسية – الأوكرانية، وهو الآن عشية بدء الدورة السنوية (رقم 78) للجمعية العامة للأمم المتحدة, معنِيّ أكثر من أي وقت مضى بـ"احياء» هذه الاتفاقية كورقة في يده, تُمكّنه من الاستمرار في ما كان دأب على قوله وهو أنه «الوحيد» في العالم القادر على الحديث مع بوتين وزيلينسكي. لكن بوتين لن ينسى تصريحات أردوغان الموجهة إليه شخصياً, عن «حق» أوكرانيا بعضوية الناتو، كذلك إطلاق خمسة من قادة نازيي كتيبة آزوف.
ثمّة قضايا وملفات أخرى ستكون الفرصة متاحة لبحثها بين الزعيمين، رغم «الفتور» الذي لا يمكن تجاوزه والذي شَابَ علاقات البلدين في الأشهر القليلة الماضية. إذ ستكون العلاقات الثنائية مدار بحث بينهما كذلك ملفات ساخنة أخرى, لعل أكثرها سخونة ما هي عليه الآن الأزمة المُتدحرجة بين اذربيجان وارمينيا والتوتر المُتصاعد بين باكو وبريفان. في ظل محاولات غربية وبخاصة أميركية وفرنسية للتدخل فيها, بهدف «اللعب» في الحديقة الخلفية لروسيا، ناهيك عن الدور التركي المنحاز لباكو وما هو أبعد من ذلك وأعمق, وهو تحقيق «حلم» أردوغان بإحي?ء ما يُسمّى «العالَم التركي", في مسعى لقيادة جمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية السابقة.
كما ستكون للأوضاع في سوريا مساحة مهمة من النقاش, خاصة الأوضاع الراهنة التي تحيط بالمشهد السوري, إن صعيد التحشيد الأميركي المتواصل في الجُند والعتاد, أم خصوصاً على ما يحدث في دير الزور وريفها, من مواجهات مُحتدمة بين العشائر العربية وقوات سوريا الديمقراطية/قسد، ومحاولات أنقرة استثمار ذلك لتكريس وجودها في المناطق التي تسيطر عليها «قسد»، في وقت ترفض فيه تركيا اي انسحاب من المناطق التي تحتلها في سوريا بذريعة محاربة الإرهاب. وكانت لافتة التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الروسي لافروف. خلال إجتماع له مع طلاب ?أعضاء هيئة التدريس في «معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية» يوم الجمعة الماضي. عندما قال: إن روسيا عرضت على سورية وتركيا العودة إلى اتفاق يسمح للقوات التركية بمحاربة الإرهابيين على الأراضي السورية، ولكن بالاتفاق مع دمشق. مُضيفاً: خلال اتصالات «غير رسمية»، اقترحنا العودة إلى «فلسفة» عام 1998 عندما تم التوقيع على اتفاق أضنة.